بينما كان “حزب الله” يعلن من بكركي تمسكه بترشيح النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ناسفاً ترشيح النائب سليمان فرنجيه، كان رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة يجدد أمام زواره تأييد تياره ترشيح رئيس “المردة”، واصفاً هذا التأييد بأنه “طرح لم يرق بعد الى مستوى المبادرة”، ومؤكدا انه “ينحصر ببند وحيد هو انتخاب رئيس للجمهورية، ونقطة على السطر!”.
لا يخفي الرئيس السنيورة أمام زواره أن ترشيح فرنجيه لم ينته ولم يتوقف، بل انه مستمر رغم الفرملة التي تعرض لها، مجدداً تأكيده ان الرئيس سعد الحريري “جدي وصادق” في شأنه، وكاشفا ان “الطرح يقتصر على بند وحيد هو الرئاسة حصراً، وكل ما عداها يأتي لاحقاً”، قاطعاً الطريق على أي كلام على تسوية أو مقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
ولكن لماذا تعثر الطرح؟ ليس لدى السنيورة الجواب الشافي، لكنه يدرك أن الترشيح كان بغطاء محلي وخارجي، وفرنجيه لم يسر به من دون استشارة سوريا و”حزب الله”. كما كان ثمة دفع للغرب إلى القبول به، ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، والقصد بالدفع انه أتى من الجانب اللبناني وتحديدا من الرئيس الحريري، وحظي بتوافق غير مباشر إيراني وسعودي، وفرنجيه لم يقم بأي خطوة من خارج هذا التوافق. لكنه تعرض أخيرا لفرملة إيرانية عبّر عنها “حزب الله” من خلال تمسكه بالعماد عون.
لا تتوقف الفرملة هنا، فهناك موقف العماد عون، ومواقف القوى المسيحية الاخرى مثل الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع.
يتفهم السنيورة هذه المواقف خصوصا أن ثمة من يرى أن الوضع الاقليمي لم يتبلور بعد أو أن الضمان يبقى في شخص عون أو أن الوضع السوري او العلاقات الإيرانية – السعودية لم تنضج بعد. ولكن ما الحل؟ وهل الأفضل البقاء من دون رئيس بعد 19 شهراً من الشغور؟
لا يخفي السنيورة أيضاً أنه يحمّل المسؤولية عن الشغور للمسيحيين الذين حصروا المرشحين بأربعة، ويذهب أبعد في تحميل هؤلاء مسؤولية تخليهم عن دورهم التوفيقي والريادي وسط الأوضاع التي يعيشها الشركاء المسلمون، فلا السُنّة مرتاحين بعدما وُسموا بالإرهاب وباتوا يسعون الى السير في الاصلاح الديني، ولا الشيعة مرتاحون. اما الاميركيون والاوروبيون، فهم يريدون هماً بالناقص، علما انهم في غالبية الوقت لا يعرفون ماذا يريدون. اليس عدم الثبات في السياسة الاميركية هو الذي اوقع المعارضة السورية في فك الارهاب؟
لماذا ذهب الحريري إلى خيار فرنجيه وما الفلسفة من تأييد هذا الترشيح؟ لا جواب لدى السنيورة سوى القول إنها محاولة لتجنب الأسوأ وما قد يحمله الخارج من تطورات داهمة. لم تكن أمام “تيار المستقبل” خيارات أخرى أو بدائل طرحها الآخرون. ثم إنه لا يرى في ترشيح فرنجيه تنازلا لم يحن أوانه، أو ضماناً لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. وهو يؤكد أن الطرح وُجد وتجري مناقشته، ولا بديل منه، اما رئاسة الحكومة فليس لدى التيار مرشح لها إلا الرئيس الحريري، وهذا أمر محسوم. ماذا عن الحلفاء وهل يكفي أن يحضر رئيس حزب “القوات” سمير جعجع احتفال الذكرى الثانية لإغتيال الوزير السابق محمد شطح لإحياء تحالف 14 آذار؟
الحضور الجامع يعكس بالنسبة الى السنيورة الحرص على وحدة 14 آذار واستمرارها ويؤكد ان تبني الترشيح لا يضرب هذا التحالف، وهو يقول: “لا نريد أن نترك حلفاءنا ولا هم يريدون تركنا، وليس من الحكمة لأحد أن يتحدث مع خصومه ويترك حلفاءه”.
يفضل السنيورة أن يكون الرئيس توافقيا وقادرا على الجمع. فالرئيس التوافقي هو الأقوى عندما لا يطلب شيئا لنفسه أو لأولاده. والحديث حول طاولة الحوار عن مواصفات رئيس الجمهورية ليس إلا لإبقاء الحوار مستمرا. ولكن هل السنيورة مقتنع بأن فرنجيه يجمع المواصفات التي عرضها؟
لا يخفي الرئيس السابق للحكومة أن ثمة تنوعاً في الرأي داخل كل تيار سياسي، لكن ما يجعله يتطلع بجدية إلى هذا الطرح هو عدم وجود بديل منه.
ولكن لماذا فرنجيه وليس عون وهو مرشح أساسا؟ لثلاثة أسباب جوهرية في نظر السنيورة، اولها ان عون لا يزال رافضا فكرة “الطائف”، بينما فرنجيه أعلن أنه ابن الطائف وابن النظام، ويلتزم سقفه. لا ينسى السنيورة لعون أنه تبنى “القانون الارثوذكسي” الذي “ينسف الطائف”، الأمر الذي يظهره طاعناً بكل أسس النظام. كما ان عون لم يقدم في كل الحكومات التي شارك فيها نموذجاً صالحاً للعمل الوزاري، كما الحال في الكهرباء والاتصالات، بينما “أعطى فرنجيه من خلال توليه وزارة الداخلية او الوزيرين بسام يمين وروني عريجي نماذج جيدة لا يمكن ان نغفلها لنذكر الأمور السيئة وحدها”. وماذا إذا رشح جعجع عون في المقابل؟ “تصبح الامور أصعب”، في رأي السنيورة و”يُترك الاحتكام إلى النواب”.
وينفي رئيس كتلة “المستقبل” علمه بوجود صفقة بترول أعدّ لها السيد جيلبير الشاغوري، لكنه يؤكد ان احد الاعتبارات الاساسية لتدخل روسيا في سوريا هو النفط وحماية مصالحها في المنطقة.
وقبل أن يغوص في الواقع الاقليمي، لا يخفي السنيورة قلقه حيال المرحلة المقبلة، متوقعاً تحريك الحكومة رفعاً لمسؤولية التعطيل الحكومي والرئاسي”، أما تزخيم المبادرة لانتخاب رئيس فيبقى في رأيه رهناً بالوضع الإقليمي.