IMLebanon

السنيورة رافض للشريك المسيحي الفاعل والليبرالية قناع لمشروع خطير

خرج الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بحديث إلى مجموعة إعلاميين عن صمته الملازم له منذ حقبة طويلة، وأعلن بأنّه لا يثق بالعماد ميشال عون لكونه متمسّكًا بمشروع اللقاء الأرثوذكسيّ الانتخابيّ، وهو يحفر عميقًا بإسمنت النظام السياسيّ وجوهر العيش المشترك. دخل السنيورة في مجموعة تفاصيل تخصّ عبد المنعم يوسف وسواه لا مجال لذكرها هنا في تلك العجالة، فهي ملك القضاء وله أن يلفظ كلمة الحقّ. لكنّ مراقبين سياسيين غير منحازين استوقفهم بدقّة الكلام حول «العيش المشترك»، متسائلين عن مضمونه ومعناه في السياق السائد الساحة السياسيّة منذ التسعينيّات إلى الآن والمهيمن على النظام السياسيّ بلا هوادة. وعلى الرغم من أن الكلام المشار إليه ليس حديثًا بل هو عتيق في فكر فؤاد النسيورة أو سواه من أرباب هذا الخطّ، إلاّ أن اجتراره من جديد جعله يخرج من فمه مجوّفًا ومشوَّشًا ومشوِّشًا، مشوَّشًا كما مشوَّهًا لّانه خال من الحقيقة المطلقة التي تنكّر السنيورة لها مرارًا، ومشوِّشًا على قول الحقائق وانبثاقها كما هي بلا تغليف أو تعليب كما مشوِّهًا لها حتى لا تسطع نقيّة لامعة.

مشكلة فؤاد السنيورة أنّه رافض للشريك المسيحيّ الفاعل، يشاؤه دومًا مهيض الجناح مفعولاً به، بمنطقه هو ويأخذه إلى حيث لا يشاء. كلّ هذا يجعله في بون وخلاف كبيرين مع العماد ميشال عون، أكثر من الخلاف السائد بين الأخير وسعد الحريري. ذلك أنّ معظم عناصر تيار المستقبل وما يعانيه في الفترة الأخيرة لاحظ من أن سعدًا مثّل اعتدالاً واضحًا وإن كان يحتاج المزيد من التفعيل بعكس السنيورة الخارج عن تلك الدائرة وإن بمظهر ليبراليّ، ولكنّه ليس سرباله الحقيقيّ، فالليبراليّة عنده قناع لمشروع خطر تتقاطع فيه مصالح عديدة من الغرب إلى الخليج المأخوذ نحو التطبيع مع إسرائيل، وجوهر المشروع استبقاء الانقلاب على الطائف كما كتب الوزير السابق ألبير منصور، ويقول مصدر سياسيّ، إنّ السنيورة غير صادق بتبنّيه للطائف الحقيقيّ كنصّ ليس منزلاً من علُ ليكون ابديًّا بل كنصّ قابل للتعديلات في لحظات الرضاء المتبادل بين الجميع، وفي لحظات التغييرات الكبرى على مستوى الإقليم برمتّه.

 طائف السنيورة مختلف عن النصّ كسياق، إنّه طائف التسوية بين الأميركيين والسوريين والسعوديين يقول المصدر، والتي تغلّب فيها مفهوم «الطائفة القائدة» والمتشخصنة بل الذائبة بهالة رفيق الحريري رحمه الله، وبعد استشهاده يتكمّش السنيورة بطائف بقي منه الوجه السعودي بعد خروج السوريين من لبنان سنة 2005، فستبقي هذا الوجه هيمنة السنيّة السياسيّة على النظام اللبنانيّ على حساب معظم المكوّنات، بل رغمًا عنها، شاء من شاء وأبى من أبى.

منطق فؤاد النسيورة هو هذا عينًا يصاحبه آخرون في تيار المستقبل من أمثال أحمد فتفت وسواه. ويجب في هذا المجال الاعتراف، بأنّ مداخلة سعد الحريري لكبح جماح السنيورة ضروريّة من وقت لآخر، فالتشويش على الحقائق التي يعرفها سعد وتشويهها استراتيجيّة اعتمدها فؤاد السنيورة في معظم أدبياته، واستند فيها الى عوامل إقليمية وعربية ودوليّة مانعة من محاسبته أو جعله خارج المعادلة، ولذلك وعلى الرغم من الخلاف بينه وبين سعد الحريري، لا يزال الرجل جليس طاولة الحوار برئاسة الرئيس نبيه برّي، وقد طرح مراقبون كثر أسئلة واضحة حول معنى وجوده خلف الطاولة. أذرع السنيورة واضحة من أحمد فتفت إلى أشرف ريفي، فيما سمير الجسر يدفع ثمن هدوئه العاقل والرصين من حرق لصورة في طرابلس.

الخطورة الجوهريّة في فكر السنيورة أنه معارض لكل حوار بنّاء بين تيار المستقبل وحزب الله على الرغم من قبوله على مضض. وتطرح بعض الأوساط سؤالاً عن ذلك التناقض بين جلوسه الى طاولة الحوار مع وجود ممثلين عن حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، ورفض للحوار الثنائيّ سواءً بين تيار المستقبل والتيار الوطنيّ الحرّ، أو بين تيار المستقبل وحزب الله. المعارضة بحد ذاتها تشي بأنّ استراتيجيّته مبنية على عنوان واضح كان هو بعضًا منه، وهو الفوضى الخلاّقة والهدّامة تلك العبارة الأميركيّة، وتقول أوساط اخرى أنّ الرجل كان سيراهن على نجاحها في لبنان بعد اختراقها العراق، كما راهن مرارًا على نجاحها في سوريا، ورهانه حتمًا بأنّ هذا المبدأ إن ساد ونجح في المنطقة فإنّه يعيد إنتاج الإسلام السياسيّ بوجهيه المتطرّف وليس بالضرورة التكفيريّ على طريقة «الإخوان المسلمين» في مصر وسوريا، والمتعدل الليبراليّ المتحالف مع الغرب، ولكنّه شبيه للإسلام المتطرّف من حيث توقه للقبض على الأنظمة وجعلها جزءًا منه، فيتحوّل الآخرون إلى حالة مستولدة في كنف هذا الإسلام عينًا. وتقول الأوساط عينها بأنّ رهانه على الانتاج هذا وبخاصّة الإسلام القريب مع الغرب والمتحالف معه، يعيد إنتاجه الشخصيّ كحالة جديدة تسود مكان رفيق الحريري إنما بأسلوب مختلف. وتعتبر تلك الأوساط بأنّ صمته خلال الانتخابات البلديّة وما رافقها من تبدّلات واضحة على الساحة السنيّة باصطفاف جديد، معبّر للغاية وهو مهدى لمن يملكون القرار الدوليّ مظهرًا نفسه بأنّه ليس متطرّفًا بالمطلق كما اللواء أشرف ريفي مع أنّه على تبادل أدوار معه، وليس موافقًا في الوقت نفسه على سياسة سعد الحريري وقد راهن غير مرّة على إفلاسه الماليّ والسياسيّ وهو العارف بأدقّ التفاصيل عنه، فيتموضع في سياق جديد يدنيه من مراكز القرار كممثّل عن السنّة في لبنان.

لكنّ فؤادًا يدرك بأن نجاحه حتى الآن غير مضمون النتائج، فيما حزب الله بالطبع يرى فيه المشروع النقيض لفلسفته المقاوِمة سواء على الحدود الجنوبيّة أو في الداخل السوريّ. وتظهر بعض المعطيات أنّ الرهان الأميركيّ على تموضع جديد وجديّ لفؤاد النسيورة غير مكتمل العناصر، وبالتالي فإنّ إدارة باراك أوباما لم تنسكب رؤاها في وعائه ولا هو تأهّل ليكون بعضًا من فلسفتها، فقد كان جزءًا من فلسفة إدارة بوش وكوندوليزا رايس أي الجناح الأميركيّ المتطرّف الهادف لضرب مقوّمات التوازن الميثاقيّة والشركويّة ليس في لبنان بل في المنطقة كلّها، وكان جيفري فيلتمان في تلك الحقبة أحد الأعمدة الموطّدة لدور فؤاد السنيورة. فؤاد السنيورة لا يزال خارج السياق بالنسبة للإدارة الأميركيّة تقول الاوساط، وسيبقى منتظرًا على الرغم من رهاناته حتى تأتي إدارة جديدة أميركيّة وتعيد هيكلة فلسفتها السياسية باستثماراتها في المنطقة طبقًا للعلاقة مع الروس كشركاء حقيقيين في ولادة الخريطة الجديدة للمشرق العربيّ وصولاً ربما إلى الخليج الذي يحاول إنقاذ نفسه بالذهاب نحو تطبيع العلاقة مع إسرائيل.

في المحصّلة عندما يقول فؤاد النسيورة بأنّ رهان ميشال عون على مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» يضرب جوهر العيش المشترك، يفترض بأن رهاناته السابقة على إدارة اميركيّة أبطلت مفهوم التوازن في المنطقة وسياسته الداخليّة المرتكزة على تعزيز دور النسيّة السياسيّة في لبنان، هي التي ضربت العيش المشترك، وسياسة تيار المستقبل منذ رفيق الحريري إلى الآن لا تزال تساهم ببعض اجنحتها وبحدود واضحة بذلك.

مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» بأسبابه الموجبة توطيد للعيش المشترك، تنفيذ لطائف لم يكن السنيورة وفيًّا لنصوصه على الإطلاق وللمادتين الدستوريتين 24 و96 منه القائلتين بالمناصفة الفعليّة على مستوى المجلس النيابيّ وعلى المستوى الإداري والوظيفيّ، وإذا ما أوغل السنيورة في قراءة المادة 96 من الدستور لاكتشف بأنّ المناصفة شرط جوهريّ لإلغاء الطائفيّة السياسيّة فتقود نحو تأليف اللجنة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، وهذا نص دستوريّ. الخطورة أيضًا بانّ السنيورة حين يرفض مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ الانتخابيّ  يؤكّد المناصفة فانّه يؤيّد استمرار السنيّة السياسيّة وهو ركن من أركانها، ويؤكّد حاجته لها، ولذا فاستبقاء عليها كحالة راسخة ضرب لميثاق العيش المشترك وجوهره، ومحق للفلسفة الميثاقيّة التي قام عليها لبنان. فؤاد السنيورة يرفض تأييد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة لأنّ ميشال عون حاو للفلسفة الميثاقيّة فيما خال منها. فبقاء السنيّة السياسيّة في لبنان كجزء من الإسلام السياسيّ المحارب للآخرين من سوريا الى اليمن هو رهانه الدائم، لأنه بتلك العوامل يؤمّن ديمومته، والرهان هذا مبطل لوجود لبنان ككيان فريد في الشرق ورسالة مضيئة للإنسانيّة باسرها.