يجهد تيار المستقبل لإطاحة الحراك الشعبي الذي يراه موجهاً ضده بالدرجة الأولى. منذ اليوم الأول، بدأ يسوّق لمقولة أن حزب الله يحاول استغلال الحراك وتسييسه. ويبدو أن المستقبليين، وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة، يريدون رفع سقف خطابهم، من خلال القول إن الحراك ليس سوى مطية لإطاحة الطائف، بِيَد حزب الله الخفية
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان قد حسم أمره بشأن اللقاء الذي اقترح عقده في دار الفتوى يوم غد الأحد، دعماً لحكومة الرئيس تمام سلام بوجه الاحتجاجات الشعبية. لكن الاتجاه العام كان يشير إلى أن اللقاء قد ألغي، بعدما اعترض عليه سياسيون كثر، فضلاً عن تأكيد مقربين من دريان أن السفير السعودي علي عواض العسيري طلب منه التريث على قاعدة «إما أن يكون اللقاء جامعاً لسياسيي الطائفة أو لا يكون».
فكرة عقد اللقاء خرجت من عقل رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة. يقود الرجل جزءاً من تيار المستقبل يسوّق «تحليلاً» يرى ان الاحتجاجات الشعبية ليست سوى غطاء لحركة يقوم بها حزب الله، لتكون أشبه بـ»7 آيار غير مسلّح»، يقود إلى تغيير النظام وعقد مؤتمر تأسيسي يطيح الطائف. وبرأي السنيورة وفريقه، فإن «محورنا يتقدّم في المنطقة. في اليمن ينتصر، وفي العراق النظام المحسوب على إيران في مأزق نتيجة الاحتجاجات الشعبية. أما في سوريا، فالنظام في حالة تراجع منذ بداية العام الجاري. ولأجل ذلك، حرّك حزب الله الشارع، لمحاولة التعويض عن خسائر محوره في الإقليم، ولتغيير النظام اللبناني». تضيف القراءة ذاتها، أن المطلوب اليوم «الصمود في وجه حزب الله على كافة المستويات: في الشارع، وفي الحكومة، وفي رفض مطالب الحزب وحليفه» الجنرال ميشال عون. وبناءً على ذلك، أراد السنيورة رفع مستوى المواجهة إلى أقصاه، فاقترح على دريان عقد اجتماع في دار الفتوى يضم رئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الحكومات السابقين، ونواب الطائفة السنية ووزراءها، ومفتي المناطق، وأعضاء المجلس الشرعي. وأشار السنيورة إلى ضرورة إصدار وثيقة تعيد تثبيت اتفاق الطائف والمؤسسات والصلاحيات المنبثقة منه.
يقول مقرَّبون من المفتي إن السفير السعودي نصحه بأن يكون اللقاء جامعاً لكل سياسيي الطائفة
مصادر من داخل دار الفتوى أشارت إلى أن السنيورة أقنع المفتي دريان بالفكرة بداية. إلا أن الأخير خشي من «استخدام الدار سياسياً بالطريقة التي استُخدِم فيها سابقاً أيام سلفه الشيخ محمد رشيد قباني من قِبل تيار المستقبل، ولا سيما من قِبل السنيورة». ولفتت المصادر إلى أن رئيس كتلة المستقبل فضّل حصر اللقاء وعدم دعوة الوزراء والنواب السابقين، لكي لا يضم اللقاء شخصيات مناوئة لتوجهاته السياسية. وأشارت المصادر إلى أن المعترضين على الفكرة لفتوا نظر مفتي الجمهورية إلى أن المعركة الحالية «لا تتخذ طابعاً مذهبياً. فالرئيس نبيه بري مثلاً يقف إلى جانب الرئيس سلام، وسمير جعجع كان في طليعة المدافعين عن الحكومة التي يشارك فيها حزب الكتائب أيضاً». وجهد أصدقاء دريان الذي يحلقون بعيداً عن تيار المستقبل، لإقناعه بالعدول عن اللقاء الذي سيحسب موقفاً يردّ بالمذهبية على التحركات الشعبية ويحولها إلى حملة ضد الموقع السني وليس ضد النظام الفاسد. حتى ليل أمس، أبدى دريان موافقته الأولية على إلغاء اللقاء وحمل المواقف التي كان سيدلي بها دفاعاً عن الحكومة من عائشة بكار الأحد إلى بكركي الاثنين في القمة الروحية التي دعا إليها البطريرك بشارة الراعي لرؤساء الطوائف الروحية للبحث في الأزمات الحالية. وذكّرت المصادر بالحراك الذي سبق أن قاده المفتي السابق للجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني دعماً لحكومة السنيورة في عام 2006، قبيل وخلال الاعتصام المفتوح الذي نفذته قوى 8 آذار في ساحة رياض الصلح لإسقاطه. حينها، استنفر قباني أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وعقد لقاءات عدة في عائشة بكار وقادهم إلى السرايا الحكومية «نصرةً لرمز الطائفة المحاصَر».
لكن يبدو أن تيار «المستقبل» مصرّ على محاولة تكرار التجربة، رغم ضائقته الشعبية الناتجة من تراجعاته السياسية المتتالية، ومن أزمة النفايات، وغياب الرئيس سعد الحريري عن البلاد، ومن المشكلة المالية التي يعاني منها. وفي هذا الإطار، استقبل سلام في السرايا أمس وفداً من رابطة مخاتير مدينة بيروت برئاسة مصباح عيدو الذي دعاه إلى «نزع فكرة الاستقالة كلياً في هذه الظروف الحرجة والدقيقة وعدم الاستسلام أمام الضغوطات التي تهدف إلى تدمير البلد». وفي الطريق الجديدة، نظم مجلس اتحاد الجمعيات الإسلامية ومنسقية بيروت في «المستقبل»، لقاءً تضامنياً مع سلام.