Site icon IMLebanon

السنيورة لـزاسبكين: ما مصلحة روسيا بخلق شرخ مع العالم الإسلامي؟

«الحوار يتقدّم والرئيس المقبول تدعمه بيئته.. وهذه قصة فشل تسوية الترقيات»

السنيورة لـزاسبكين: ما مصلحة روسيا بخلق شرخ مع العالم الإسلامي؟

المدير الذي يوصل الشركة إلى الإفلاس لا يمكن تعيينه وكيل تفليسة.. وهذا ينطبق على الأسد!

قابل الأيام كفيل بأن يكشف حيثيات التدخل الروسي في سوريا وخباياه وحقيقة ما حصل من تفاهمات لم تخرج إلى العلن، ولكن ثمة اعتقاداً بأن تفاهماً روسياً بكليات الكليات وليس بكثير من التفاصيل قد حصل مع الآخرين، من أميركيين وأوروبيين وحتى بعض العرب، غير أن أداء الكرملين أفضى إلى شعور، إن لم يكن إلى استنتاج, لدى الأميركيين بأنهم خُدِعوا من قبل الروس في سوريا، تماماً كما شعر الروس بأنهم خُدعوا من الأميركيين في ليبيا.

هذا الانطباع تلمسه في مجلس الرئيس فؤاد السنيورة، حيث تتشعب النقاشات بين الملفات الداخلية الشائكة التي تنذر بمزيد من مظاهر انهيار الدولة ومؤسساتها، وبين التحدّيات الإقليمية وانعكاسها على لبنان المكبّل، ولا سيما بعدما أخذ «حزب الله» البلد رهينة وألحقه بعربة سوريا.

في ظن الرئيس السنيورة أن مبادئ عدّة لم تأخذها القيادة الروسية في الاعتبار، ما قد يجعلها تقع في الفخ أو تدخل في المستنقع. أولى هذه المبادئ أن الشعب السوري في غالبيته الساحقة ضد «داعش»، ويدرك من يقف وراء هذا التنظيم وعلاقة المصالح القائمة بينه وبين النظام الذي لم يستهدفه حتى بطلقة واحدة. وثاني هذه المبادئ أنه لا يمكن القضاء على تطرّف قائم باعتماد متطرّف آخر.

كان بإمكان روسيا، التي استفادت من حالة التراخي الأوروبي – الأميركي، الدخول إلى سوريا وتقابل بالأزاهير على أسس مقاربة الخلاص من خطر «داعش» من دون أن تضمر بقاء الأسد على رأس النظام. فقبل أسبوعين حين التقى السنيورة السفير الروسي ألكسندر زاسبكين بادره إلى القول: إن النّاس تكون معكم إن كانت تعلم إلى أين ستأخذونها، فتجربة «الصحوات» في العراق لا تزال ماثلة في الأذهان، فـ «الصحوات» قضت على تنظيم «القاعدة» فكانت النتيجة الانقضاض عليها من قبل السلطة الحاكمة. هناك اليوم مخاوف من تكرار تلك التجربة ثانية، بحيث تُستخدم الناس للقضاء على «داعش» ومن ثم يؤتى بالأسد من جديد. وتساءل: أي مصلحة لروسيا في العمل على استعداء الشعب السوري وخلق شرخٍ مع العالم الإسلامي وسط مناخات من التوتر على خلفية «الحرب المقدسة». وإذا كان الرئيس الروسي قد سعى إلى نفي وجود «حرب مقدسة»، فإن الانطباع يقوى في غالب الأحيان على الحقائق، وستفضي التوترات تالياً إلى تزايد التشنج وردّات الفعل.

غير أن الصورة السوداوية، لا تحجب رؤية السنيورة أن بإمكان روسيا تصويب بوصلة تدخلها، إذ من مصلحتها إنهاء الصراع السوري عن طريق اقتناعها بأنه لا يمكن أن يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا، مستعيراً إحدى القواعد المتبعة في عالم المال، مفادها أن المدير الذي يوصل الشركة إلى الإفلاس لا يمكن تعيينه وكيل تفليسة لإعادة هيكلتها.

ليست حال لبنان أفضل، فالخيارات مقفلة والكل يأخذ وقته، والجميع مدرك أننا نرقص على حافة الهاوية، فإما بقاء الرهان على تغيّرات في المنطقة، وإما العودة إلى التعقل والعمل للتوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، رغم اعتقاده بأن بعض التقدّم قد حصل عبر الحوار، لكنه ليس كافياً للوصول إلى إنجاز الاستحقاق  الرئاسي.

التقدّم الذي حصل بفعل الحوار الدائر في ساحة النجمة، شمل نقطتين حظيتا بكثير من التأييد، وإن كان لا يمكن القول بالإجماع، الأولى تتمثل بأهمية العودة إلى احترام الدستور، والثانية بأن أي من المرشحَين (عون – جعجع) لرئاسة الجمهورية غير قادر على تأمين النصاب القانوني لانتخابه.

ووسط الجدل حول ضرورة الإتيان برئيس قوي وتحديد مواصفات هذا الرئيس، يحرص الرئيس السنيورة على الإيضاح أنه في الجلسة الماضية، وفي الرسالة التي أرسلها إلى الرئيس نبيه برّي في التاسع من تشرين الأوّل، حدّد بعبارة بسيطة مفهومه لمواصفات الرئيس، موجودة في الدستور، ومضمونها أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. عبارة تعني برأيه أن على المرشح أن يكون شخصاً مُعتـبَراً في بيئته مؤيداً ومدعوماً منها، ولكنه أيضاً مدعوم من بيئات أخرى، وهو بذلك يستطيع أن يقوم بالدور الملقى على عاتقه في أن يكون صمّام الأمان، قادر على جمع النّاس حوله وتتقاطع عنده كل الأمور.

ويضرب في هذا الإطار مثالاً على ما جرى في انتخابات العام 1970 بحيث شكلت النموذج للقرار اللبناني في انتخاب رئيس الجمهورية، فيومها كان هناك ثلاثة مرشحين أقوياء: كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميّل، لكن كلاً منهم أدرك أن لا إمكانية لوصوله إلى سدّة الرئاسة، ما دفعهم إلى الاتفاق على دعم سليمان فرنجية، فأضحى المرشح المدعوم في بيئته، لكنه أيضاً كان يحظى بدعم من البيئات الأخرى، ما آل إلى انتخابه رئيساً، رغم أنه لم يكن يومها المرشح الأقوى.

وعندما سُئل عن تحميله المسؤولية في نسف «التسوية» بشأن ترقية العميد شامل روكز، ذهب بهدوئه المعهود إلى إيضاح ما جرى، فبالنسبة إليه أن ما كان مطروحاً هو تسوية، والتسوية تعني أنك تُعطي وتأخذ، بمعنى «هم يقررون ونحن نقرّر أيضاً»، ما حصل أن التسوية كانت تقضي بترقية روكز، ولم يكن في الأمر مشكلة، لكن المشكلة كمنت في «الثمن» المقابل الذي طالبنا به وتمحور حول كيفية ضمان عمل مجلس الوزراء، بحيث لا يتم تعطيله.

في ذلك اللقاء السداسي على هامش جلسة الحوار، جرى طرح هذا الموضوع، فقلنا إننا نسير بترقية روكز، ولكن ماذا عن ضمان عمل مجلس الوزراء. كان المنطلق منه العودة إلى الدستور في آلية عمل الحكومة من وضع جدول الأعمال إلى كيفية التصويت، بحيث أنه من غير الجائز أن يكون للوكيل صلاحية تفوق صلاحية الأصيل، ذلك أنه وفقاً للدستور فان المواضيع الأساسية تحتاج إلى ثلثي الأصوات فيما المسائل العادية تحتاج إلى النصف زائداً واحداً. عند هذا الحد انتهى النقاش بخروج العماد عون من الجلسة، ما أنهى التفاوض حول التسوية.

لكن السؤال المطروح: ماذا بعد؟ سؤال لا يجد السنيورة له جواباً واضحاً، وإن كان على ثقة بأن الحكومة ستجتمع لاستكمال مراسيم تنظيمية في شأن ملف النفايات، إلا أن الصورة تبقى ضبابية لما بعد الجلسة المرتقبة وإن كان على يقين أن بقاء الحكومة، ولو لم تجتمع، أفضل من عدم وجودها.