لا شكّ أنّ الأيام الفاصلة بين اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران ولحظة الإعلان عن اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس كانت أياماً صعبة وقاسية حملت الكثير من المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية فيما تخوض الحركة أعتى حرب في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي والتي وضعت المنطقة والإقليم أمام تحوّلات حتمية لا يمكن وقفها وإن كان من شبه المستحيل التحكّم بمساراتها أو توقّع مآلاتها، وكان من أكثر الأمور صعوبة مواجهة حقيقة انّ أنفاق غزة باتت المكان الأكثر أمناً لقيادات الحركة وكيف يمكنها أن تحافظ على توازناتها واستقلالية قرارها وهي تتواجد في عواصم منها ما يمارس عليها الضغوط، ومنها ما يريد الاستثمار ومنها ما يسعى إلى أدوار من خلال الدخول على خط الوساطات.
كانت حماس تقف على مفترق طرق، بين أن تدخل في أزمة قيادة عميقة وربما طويلة الأمد، وبين أن تحسم أمرها وتثبِت قدرتها على الاستمرار وفق المنظومة المؤسساتية التي حمتها حتى الآن من مخاطر التصدّع والانشقاق والانهيار، فلا يمكن نفي وجود خلافات وتباينات بين أقطاب الحركة وقياداتها، لكنّ اللافت للانتباه أنّهم استطاعوا في فترة قياسية أن يخرجوا من هذا المأزق ليرموا الأزمة إلى ملعب رئيس وزراء العدو نتنياهو باختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي بالإضافة إلى أنّه مهندس عملية «طوفان الأقصى» والرأس الأكثر صلابة ودهاء في مواجهة التطرف الصهيوني.
مما ساهم في سرعة اختيار السنوار سقوط التعويل وتحوّلات قد تحدث بعد الضربة الإيرانية المنتظرة والمفترضة على «إسرائيل» بعد اغتيال إسماعيل هنية لكن هذا التوقع خاب مع السلوك التأجيلي والمماطلة الإيرانية بالرد.
أجمع المتابعون على أنّ إختيار السنوار هو قرار تحدٍّ وفيه تصعيبٌ لعملية التفاوض، بحيث لا تستطيع دولة أو جهة أن تمون أو تتحكم بمسار التفاوض والقرار، وهذا يرفع الحرج عن الحركة ويجعل غزة مركز القرار، ومع بقاء حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو في الحكم، تجد حماس أنّ الخيار الأفضل هو اختيار السنوار الذي يمثل ذروة المواجهة مع «إسرائيل».
بالنسبة للاحتراز الأمني، يجنّب اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي قادتها في الخارج، نسبياً، من الاستهداف، أمّا السنوار فإنّه مشروع شهادة يمشي على الأرض.
أكّدت حماس أنّ السنوار ما زال حيّاً ويقود الحركة في غزة على الرغم من مرور عشرة أشهر على العدوان الإسرائيلي على القطاع، وأنّها ما زالت قويّة وأن مواقفها لن تتراجع في ضوء الحرب الدائرة عليها، وأنّها ما زالت تتمتّع بقدرتها التنظيمية واتخاذ القرار في أصعب الظروف وتأكيد على وحدة الحركة الداخلية.
حدّدت حماس باختيار السنوار أنّ أولوياتها العسكرية قبل السياسية، وبالتالي إنّها تؤكد تحدي الاحتلال وتأكيد على المواجهة والوقوف خلف مقاتليها في الميدان.
واختيار السنوار إعلان لفقدان الثقة التامة بالمنظومة الدولية مؤسساتٍ وقانوناً بعد عجزها عن إدانة الإجرام الإسرائيلي فضلاً عن إيقافه، وهي خطوة تسحب البساط من محكمة الجنايات الدولية التي تحاول المساواة بين الضحية والجلاد، فإن قررت إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الحركة، فغزة وأنفاقها أمامهم، دون إحراج أي دولة قد تستضيف أو يزورها رئيس الحركة.
يُقال الكثير عن توجهات يحيى السنوار وقربه من هذه العاصمة أو تلك، لكن فات من يصنّف الرجل أنّه أخفى تاريخ وتفاصيل عملية «طوفان الأقصى» عن الجميع بمن فيهم قادة الحركة في الخارج، وعن إيران ومحورها الذين صُدِموا بالحدث وأعلنوا عدم علمهم به، وتبرُّأهم منه في بعض المواقف قبل أن يؤدي صمود وتماسك الحركة في مواجهة الأهوال الإسرائيلية إلى استعادة التوازن واختراع جبهات الإسناد وصولاً إلى الواقع الراهن، وفي المعطيات أنّ للسنوار علاقات متوازنة ومباشرة مع القاهرة وهو يحظى باحترام وتقدير فيها، وكذلك في الدوحة وطهران.
وفي بيروت قدّم اللبنانيون التفافاً مشهوداً حول حماس في التعزية التي أقامتها في مسجد محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم) في بيروت، وشارك فيها أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي والزعيم وليد جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط على رأس وفد كبير من طائفة الموحدين الدروز والحزب الاشتراكي في لفتة ذات مغزى واضح يتعلق بدعم الطائفة والحزب للقضية الفلسطينية، كما شارك في تلقّي العزاء الأمين العام للجماعة الإسلامية ورئيس مكتبها السياسي علي أبو ياسين والنائب عماد الحوت والنائب بهية الحريري والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري والفصائل الفلسطينية ونواب وشخصيات لبنانية وفلسطينية أجمعت على دعم القضية الفلسطينية ورفض استفراد حماس أو الوقوع في فتنة داخلية على خلفية استفراد «حزب الله» بقرار السلم والحرب.