شهدَت الساحة السياسية أمس لغطاً كبيراً إزاءَ كلامٍ منسوب إلى الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي عن مصير النظام السوري والرئيس بشّار الأسد، قيل إنّه قاله خلال لقائه قبل أيام مع رئيس الحكومة تمّام سلام في حضور الوزراء أكرم شهيّب وميشال فرعون وأرتور نزاريان.
يقول بعض الذين حضَروا اللقاء في قصر الاتّحادية بين السيسي وسلام والوفد المرافق إنّ ما قاله الرئيس المصري لم يكن بالدقّة التي نُقِل فيها، من حيث إنّه قال إنّ سقوط الرئيس السوري حتميّ، وإنّ على اللبنانيين أن يستعدّوا لمواجهة تداعيات هذا السقوط، وإنّما عبّرَ عن قلقِِ على الوضع السوري واحتمال انهيار النظام وما يمكن أن ينجمَ عن ذلك من فوضى على الساحتين اللبنانية والسورية.
كما أنّ السيسي لم يقُل إنّ النظام السوري سيَسقط غداً، بل إنّه توَجَّه بالنصيحة إلى اللبنانيين بأن يحَصّنوا أنفسَهم بشتّى الوسائل لتداركِ سلبيات احتمالٍ مِن هذا النوع.
وزاد المصدر نفسُه مؤكّداً أنّ سلام والوفد المرافق لمسوا القلقَ نفسَه على النظام السوري الذي عبّرَ عنه الرئيس المصري، لدى الأمين العام لجامعة الدوَل العربية الدكتور نبيل العربي الذي لفتَ بدَوره إلى أنّ الموفد الأممي إلى سوريا ستيفان دوميستورا سيَقوم بجولةٍ في المنطقة ستَشمل إيران ضمن محطّاتها، وذلك بتكليفٍ مِن الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون الذي يَرغب في دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد في جلسةٍ تبحث في الوضع المقلِق في سوريا.
ولكنَ مصادر واكبَت تداعيات كلام السيسي في الأوساط السياسية اللبنانية أكّدت أنّ هذه التداعيات جاءَت كبيرةً جدّاً، ليس على المستوى السياسي اللبناني فحسب، وإنّما على المستوى السوري أيضاً.
وكشفَت هذه المصادر أنّ القيادة السورية انشغَلت أمس في تقَصّي حقيقة ما نُسِب إلى الرئيس المصري، لأنّها تدرِك مسبَقاً أنّ موقفَه منها يعاكس تماماً ما نُقِل عنه، إذ إنّه يَعتبر أنّ أمنَ سوريا هو مِن أمن مصر، وأنّه يعارض إسقاطَ النظام لما يشَكّله مِن خطرٍ على الأمن القومي المصري، ويدعو إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، خصوصاً أنّه طرَح منذ أشهر مبادرةً نَسَّقها مع المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة وأُحِيطت دوَل الخليج وإيران عِلماً بها، وهذه المبادرة تدعو إلى حلّ سياسي للأزمة عبر تأليف حكومة سوريّة جديدة موسّعة تشارك فيها المعارضة وتبقى فيها الوزارات الأمنية ووزارة الخارجية في يدِ النظام السوري، على أن تكون هذه الحكومة ذات صلاحيات تنفيذية واسعة، ويتمّ إجراء الإصلاحات السياسية والدستورية التي يُتّفَق عليها في حوار بين النظام والمعارضة، على أن يستمرّ الرئيس السوري على رأس السلطة إلى حين انتهاء ولايته.
وأكّدَت هذه المصادر أنّ الحراك الروسي لجَمعِ النظام والمعارضة على طاولة حوار في موسكو، والذي أنجِزت منه بعض المراحل وسُمّيَت «موسكو ـ 1» و«موسكو ـ 2»، هو حراكٌ مُنَسَّق مع القيادة المصرية التي باتت تربطها بموسكو علاقة متينة تتطوّر باطِّراد على مختلف المستويات، ويَأخذ هذا الحوار بمبادرة القاهرة ـ أبو ظبي.
وذكرَت المصادر أنّ الاتصالات التي تسارَعت أمس في اتّجاهات عدّة لاستيعاب تداعيات ما نُقِل عن السيسي والتأكّد مِن دقّتِه، أظهرَت أنّ الجانب المصري سَحبَ يدَه مِن هذا الكلام لتبدأ عملية بحث وتحَرٍّ سياسي عن خلفيات إشاعة هذا الموقف منسوباً إلى الرئيس المصري بهذه الصيغة الجازمة، خصوصاً أنّ هذا الكلام لم يعمَّم على نطاق واسع لبنانياً، وكذلك لم يعَمّم مصريّاً.
وقيل إنّ جهات سياسية بارزة فاتحَت بعضَ الدوائر المعنية في صحّة كلام السيسي، فنفَت علاقته بالأمر. وأشارَت إلى أنّ الرئيس المصري أكّدَ لرئيس الحكومة حِرصَه الشديد على أمن لبنان واستقراره ووحدةِ شعبِه بكلّ طوائفه ومشاربِه السياسية، مؤكّداً أيضاً استعدادَ بلاده لتقديم كلّ دعمٍ في هذا المجال، ومشَدّداً على ضرورة اتفاق القوى السياسية اللبنانية على انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت، بما يحَصّن لبنان على كلّ المستويات مِن أيّ تداعيات تتركها الأزمات الإقليمية المشتعلة حوله.