إنّ النجاح، في أي مجال من مجالات الحياة، يقتضي استقراراً… ولو لم يتسلم الجيش المصري زمام الأمور لكانت حال مصر، اليوم، مثل ليبيا وسوريا، إلاّ أنّ قيادة عبدالفتاح السيسي عرفت كيف تحسم الأمور.
هذا غير كاف، فلا بد بعد الإستقرار من الانتاج وفتح المجالات الواسعة وتوفير فرص العمل للآلاف.
جاءت فكرة شق قناة السويس الثانية على امتداد 70 كيلومتراً وبتكاليف ستبلغ 60 مليار جنيه لتفسح في المجال لتوفير فرص عمل أمام الآلاف من الشباب المصري الذي لا يجد له باباً الى الإنتاج إلاّ بالهجرة التي ليست ظروفها متوافرة للجميع، وإذا ما توافرت فإنّ المداخيل ليست كلّها عند المرتجى.
والأهم أنّ الحكومة طلبت 60 مليار جنيه باكتتاب المصريين في مشروع القناة، والمفاجأة الإيجابية كانت إقبالاً غير مسبوق بدليل أنّ الإكتتاب أسفر عن 68 ملياراً، أي بزيادة 6 مليارات! على الرغم من أنّ الاكتتاب كان محصوراً بأربعة مصارف فلم يستطع جميع الراغبين أن يشاركوا!
وهذا إن دل على شيء فإنّـما يدل على تجاوب الشعب المصري مع قائده ومنحه المزيد من التأييد والثقة.
وأهمية هذا المشروع الضخم أنّه سيزيد مدخول القناة أربعة أضعاف فيصل الى 24.5 ملياراً سنوياً… إضافة الى أنّه يوفّر تسهيلات للسفن، فبدلاً من الانتظار يومين وثلاثة للسفينة صار بإمكانها أن تعبر فوراً… وتوفّر بدل رسو.
واللافت أنّ السيسي أوكل تنفيذ المشروع الى الجيش الذي له رصيد محترم وسمعة نظيفة في تنفيذ المشاريع، وهو يملك من القدرات ما يمكنه من أن يتجاوز الروتين القاتل…
الى ذلك، هناك في مصر مشاريع زراعية ومعامل صغرى أكثر مما نتصوّر… وهنا لا بد من التنويه بأدوار السعودية والإمارات والكويت التي «نزلت بقوة» وقدّمت دعماً غير محدود لمصر… وبلغت مساعداتها المالية المباشرة 15 مليار دولار، إضافة الى المشاريع التي تموّلها تلك البلدان الثلاثة أو تشارك في تمويلها.
وكنت قد لبّيت دعوة صديق عزيز لحضور مؤتمر اتحاد الموزعين العرب الذي يعقد سنوياً في القاهرة ما يوفر مجالات لقاء مع موزعي الجرائد والمجلات ليس فقط من البلدان العربية بل سائر بلدان المعمورة المعنية.
وقبل يوم كنت تلقيت اتصالاً من صديق آخر حذرني من التوجّه الى القاهرة مخافة مواجهة الاضطرابات خصوصاً وأنني أنزل في فندق «هيلتون رمسيس»… فأجبته: نحن اللبنانيين اعتدنا على المخاطر، وأتشوّق للاطلاع على الواقع المصري كما هو على الارض.
وقد صدف أن وجد على الطائرة التي أقلتنا الى القاهرة الفنانون المصريون الذين كانوا قد شاركوا في وداع الفنانة الكبيرة صباح، وفي المطار كانت لجنة من المؤتمر في استقبالي، لتقلني الى مقر إقامتي في القاهرة، بينما أبدى الأصدقاء الفنانون رغبة مماثلة… ودار نقاش ودّي بين الطرفين…
ومن خلال المعاينة المباشرة تبيّـن لي أنّ الوضع طبيعي جداً في القاهرة… وكل ما شاهدته يبشّر بمستقبل واعد لمصر وشعبها المسالم غير التوّاق الى المشاكل، أمّا الإخوان المسلمون فلو كانوا في بلد آخر لكانوا عاملوهم بأسلوب مختلف… إذ في مصر سلّمت الحكومة الأمر الى القضاء… بينما لو كانوا في سوريا أو العراق لكانوا نفذوا فيهم الإعدام… ثم حاكموهم!
لأوّل مرة في التاريخ العربي، باستثناء لبنان، يوجد رئيسان في السجن (في مصر)… بينما كانت القاعدة العربية أنّ الرؤساء السابقين في الحكم أو في القبر… وإذا ضمّه القبر أورث ابنه ليخلفه كما حدث في سوريا!