Site icon IMLebanon

لغز “الراهبة المستقلّة” أغنيس لحّام وعلاقتها بعون

 

تُساند نظام الأسد ولا تتحرّك من دون إذن

 

أكثر من مشهدٍ “غريب” في ذاك اليوم الطويل، في السادس عشر من نيسان، تُوّج بحضور راهبتين الى “مسرح” القاضية غادة عون، إحداهما هي رئيسة جمعية “إبن الإنسان” فاديا لحّام المعروفة باسمِ “أغنيس مريم الصليب”. والداتا التي “كمشتها” القاضية أفرغت في أقبية تلك الجمعية. “الريّسة” تبحث عن “داتا” والناس يبحثون عن حقائق أما الراهبتان فعما كانتا تبحثان يا ترى؟

 

هناك أناس “مع” أسلوب القاضية غادة عون وهناك أناس “ضدّ” أسلوب القاضية عون لكن عيون هؤلاء وأولئك “جحظت” لرؤيةِ الراهبتين في الموقع. قيل ان مدعي عام جبل لبنان شعرت بتوعك فطلبت، بدل الطبيب، راهبتين. لكن، هل راهبات “إبن الإنسان” “مسبعات الكار” ويفهمن أيضاً بالداتا؟

 

فلنتصل بالجمعية عملاً بمقولة: “خذوا الحقيقة من أصحاب المواقف”. إتصلنا البارحة. أرسلنا رسائل ولا مجيب. إتصلنا بفاديا لحام ( المترهبة باسم أغنيس مريم الصليب). أجابت. وطلبت معاودة الإتصال بعد ثلاثين دقيقة وأرفقت الطلب بعبارة : الله يباركك. بعد مرور نصف ساعة كررنا الإتصال فأجابت:

 

الراهبة: نعم؟

 

نداء الوطن: لدينا كصحافة جملة أسئلة إستيضاحية عن دوركم الإنساني والإجتماعي والديني و”القضائي”.

 

الراهبة: ما فيي جاوب… نحن راهبات… بدّك إذن.

 

نداء الوطن: أي مطرانية تتبعن لنرسل طلب الإذن؟

 

الراهبة: ما فيي جاوب على شي.

 

نداء الوطن: لكن، كيف نرسل طلباً الى جهة لا نعرفها؟

 

الراهبة: وجّهي الطلب إلي وأنا أرسلــه الى المطرانية.

 

نداء الوطن: لكن، الى أي مطرانية تنتمين؟

 

الراهبة: لن أجاوب.

 

نداء الوطن: هل يمكننا أن نزوركن في الجمعية؟

 

الراهبة: نحن راهبات وما “منعمل من راسنا” بدنا إذن وبدك إذن.

 

نداء الوطن: كم يستغرق إعطاء الإذن برأيكِ؟

 

الراهبة: (أقفلت الخط).

 

إنتهى الكلام. الراهبات اللواتي أتين الى “مسرح” القاضية غادة عون لا يعملن من رؤوسهن ويحتجن الى أذونات خاصة.

 

فلنبحث أكثر عن لبّ الموضوع، عن أصل راهبات “إبن الإنسان” اللواتي يشبهن بما يرتدين راهبات “معلولا” في سوريا، خصوصاً أن كلاماً كثيراً سبق ونُشر، عن أنهنّ راهبات النظام السوري. ما رأي مطران طائفة السريان الأرثوذكس جورج صليبا؟ هل يعرف عنهنّ شيئاً؟ هل يعرف عن جميعة “إبن الإنسان” شيئاً؟ يجيب هؤلاء جئن من قارة، من دير ماريعقوب في قارة، الواقعة بين دمشق وحلب، وهنّ لسن أرثوذكسيات بل يتبعن الفاتيكان مباشرة. ومطران اللاتين مسؤول عنهنّ. وماذا عن الراهبة فاديا لحّام؟ أعرف أهلها. والدتها لبنانية. ولم أرها منذ أكثر من عشرين عاماً. إسألي الكاثوليك واللاتين عنها”.

 

فلنسأل مطران اللاتين في لبنان ميشال قصارجي عن جمعية “إبن الإنسان” وراهبات الجمعية؟ هل هنّ بالفعل يتبعن أبرشية اللاتين؟ يجيب “لا علاقة لهنّ باللاتين. لا علاقة لنا بهنّ”.

 

تُرى، هل يتبعن الكنيسة المارونية؟ الجواب حاسم: لا.

 

المركز الرسمي: قارة

 

تُرى، هل يتبعن أبرشية بيروت وجبيل للروم الملكيين الكاثوليك؟ يجيب راعي الأبرشية المطران جورج بقعوني: “مركز جمعية “إبن الإنسان” الرسمي في قارة وتتبع الراهبات قانونياً أبرشية حمص وحماه ويبرود وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك التي يترأسها المطران يوحنا عبدو عربش”.

 

“يا دارة دوري فينا”. تذكرنا صوت فيروز في أغنيتها الشهيرة ونحن ندور بين المطارنة والأبرشيات بحثاً عن المطران الذي يفترض أن يمنحنا الإذن لنعرف أكثر عن الراهبتين في “مسرح” القاضية عون.

 

وصل الجواب. أو نصف الجواب. فلنبحث أكثر عن الراهبة المسماة أغنيس مريم الصليب. هي كانت تتبع راهبات الكرمليات الحبيسات في حريصا. وهذه الرهبنة اساساً مرجعها مطران الكاثوليك في بيروت ولكن هي خرجت منذ وقت طويل من هذه الرهبنة واصبحت مستقلة واستقرّت في قارة وأصبحت تتبع أبرشية حمص وحماه ويبرود وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك.

 

لكن، لماذا يكثر الكلام عن أنها راهبة “النظام السوري”؟ وما علاقة جمعية “إبن الإنسان” التي تترأسها وتديرها ومركزها الرئيسي في دير مار يعقوب في قارة الذي أسسته هي مع منظمة “مسيحيي الشرق” (Chrétiens d’orient)؟

 

نقرأ في الأسماء. تشارلز دي ماير هو الشريك المؤسس لهذه المنظمة مع بنيامين بلانشارد. ومهمتها بحسب ما تقول “خدمة المسيحيين في هذا الشرق” أو “إنقاذ مسيحيي الشرق”. ممتاز أن تكون هناك جمعيات تهتم بإنقاذ المسيحيين في هذا الشرق البائس ولكن، هل يكون ذلك من خلال دعم نظام الأسد الذي فعل ما فعل بمسيحيي لبنان طوال عقود وبكل ما فعله هذا النظام بالإنسان في سوريا تحديداً؟ يبدو بوضوح أن المنظمة، كما الجمعية، تدعمان بشار الأسد أولاً. وهما تنشطان في سوريا من خلال شخصيات ترتبط بشكل وثيق بشخص “سيادة الرئيس” من خلال رجلي الأعمال سيمون الوكيل ونابل العبدلله اللذين استحقا منهما جائزتي “إنقاذ محردة” و”إنقاذ السقيلية” في سوريا. نجول في نشاطات الرجلين فنرى عشرات التحيات منهما الى “القيادة السورية” حيث يكثران من إلقاء التحية والشكر “للجيش العربي السوري الباسل حامي الحمى” و”قائد سوريا الأبي بشار الأسد” مردديّن في أكثر من مطرح: “السما يا قائد بتضحكلك وتحميك وتضلّ درب العزّ تمشيها”.

 

جمعية “إبن الإنسان” تنشط إجتماعياً في لبنان. لكن، هي جمعية تحوم حولها الشكوك. وهي، إذا حسبناها مسيحياً، تتناقض تطلعاتها مع ثلاثة أرباع المسيحيين في لبنان الذين دفعوا أثماناً باهظة في حروب عاثها الجيش السوري ونظام سوريا في لبنان. “أن ننسى لن ننسى”. والسؤال يبقى ماذا عن الراهبة فاديا لحام (أغنيس مريم الصليب)؟

 

كثيرة هي الروايات عنها. فهي ولدت من أب فلسطيني وأم لبنانية. وطالما وجّه الناشطون إبان الثورة السورية اتهامات للحّام على خلفية إرتباطها في شكلٍ وثيق بأجهزة الإستخبارات التابعة لنظام الأسد. فهي كانت “المحراب” في الدفاع عن ذاك النظام في مجازره الكيماوية في حق شعبه ودائماً تحت حجج “دفاع النظام السوري عن مسيحيي الشرق”. فهل علينا لمجرد سماع ذلك “الإطراء” لها؟ وهل المسيحيون أهل ذمة بحاجة دائماً الى من يحميهم حتى ولو كان جزاراً؟ هل علينا ان نصفق لراهبة “إبن الإنسان” في ما تفعل؟ وهل مسيحيو لبنان كما مسيحيي سوريا “يُمجدون” قتلة كي يحموهم؟ وهل ما شاهدناه في “مسرح” حضرة القاضية غادة عون من حضور لراهبة “النظام السوري” (كما يصفونها) سيناريو من سيناريوات تجدد الإطباق السوري على لبنان من خلال مسيحييه أولاً؟

 

شكوك كثيرة

 

الراهبة لا تقوم بشيءٍ (كما أخبرتنا) بلا إذن. فمن أعطاها إذن الإنخراط في عملٍ يفترض أنه قضائي لبناني بحت؟

 

ثمة أسئلة قد لا تجد أجوبة مباشرة، لكن، بين الإشارات، تكرج أجوبة كثيرة. فجمعية «إبن الإنسان» سورية اولاً لا لبنانية ،ومنظمة «أنقذوا مسيحيي الشرق» التي هي على ترابط وثيق معها، ومقرها فرنسا، تخدم هي ايضاً النظام السوري مع العلم أن الدولة الفرنسية كانت قد قطعت علاقاتها مع هذا النظام منذ العام 2012، بدليل أنها كافأت مراراً «رجال النظام» السوريين، أمثال سيمون الوكيل الذي يرفع صورة بشار وردد يوم أصيب «سيادته» بوعكة: «سيذكر التاريخ بأن قائداً هبط ضغطه لدقيقة فشعر بالألم 20 مليون سوري». نضحك أو نبكي؟

 

الراهبة أغنيس مريم الصليب تحوم حولها الشكوك الكثيرة. ووجودها في «مسرح» القاضية عون شك آخر. فهي تلعب الدور الإنساني الذي يتناغم والسياسة التي تُروّج لها. فهي راهبة و»قاضية» و»صحافية»، في تأليب الرأي العام ضدّ كل من يناهض النظام السوري، وتفهم أيضاً «بالداتا» وقيل حتى أنها كانت تسرح بين الثوار، إثر السابع عشر من تشرين الأول. وهي، في كلِ ذلك، تدأب على القول: أنا راهبة مستقلة». وتدعو بشار الأسد «الى فعل كل ما باستطاعته ليحمي المدنيين من سلاح «المجهولين» وأن يقوم بالإصلاحات فيشعر المواطنون بأنه أب لهم». كلمة «الأب» في مجتمعاتنا العربية «حمالة أوجه». والراهبة التي تعمل تحت مظلة «إبن الإنسان» تنغل سياسياً وتزور رؤساء وتدافع عن رؤساء. وهي زارت فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية في بعبدا أكثر من مرة.

 

جمعية «إبن الإنسان» سُجلت في لبنان لدى وزارة الداخلية عام 2016 تحت عنوان: «مؤسسة إنسانية وإغاثية متنامية متعددة القطاعات» وهي ترغب في الإنخراط في انشطة متعددة «تتعلق بتعليم الشخصية والوعي الجماهيري حول المشاكل الإجتماعية وجمع الأموال للكوارث والفئات الأكثر حرماناً وإنشاء البنية التحتية التقنية والمجتمعية والثقافية والإعلامية لتحقيق أفضل ما يمكن».

 

إنها أهم الوجوه الدينية المساندة لنظام الأسد والداعمة له. كلنا عانينا من داعش. وضدّ داعش. وكلنا نتذكر الأب اليسوعي باولو داوليلو، راهب دير مارموسى الحبشي، الذي خطفته داعش وهو جهر منذ اليوم الأول، بمساندته للثورة السورية ، لكن أن تقف راهبة، بحجة أنها ضدّ داعش، وتساند النظام السوري في كل مجازره فهذا طرح أسئلة لا تنتهي. وإذا كانت هذه حالها في سوريا فما شأنها بمسيحيي لبنان؟ من قال لها ان مسيحيي لبنان كما مسيحيي سوريا حتى ولو جمعهم هذا الشرق؟

 

دير ماريعقوب في قارة ينتظرها. وهو أولى من لبنان حالياً.