Site icon IMLebanon

مخاطر غير محسوبة لاعتصام “التغييريين”: فرض الحوار وتأمين نصاب لـ8 آذار؟

 

 

يستمرّ المأزق الرئاسي من دون أن يكون هناك بصيص أمل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في وقت تطغى الشعبوية، على الخطوات الجديّة والترشيحات التي بإمكانها إحداث خرق في الجمود الرئاسي القاتل.

 

ينشغل اللبنانيون باعتصام بعض نواب التغيير في المجلس النيابي وعدم المغادرة حتى انتخاب رئيس للجمهورية، ولم تشكّل هذه الخطوة مادة إجماع، إذ قال البعض إنها خطوة جيّدة وتأتي ضمن سياق الضغط الإيجابي، بينما رأى البعض الآخر أنها قد تخفي في مضمونها أكثر من مخطط في عدّة اتجاهات وقد تجرّ بقية الأطراف إلى لعبة غامضة.

 

يواجه بعض النواب الجدد إنتقادات بأنّ الشعبوية تتحكّم بالعديد من تصرّفاتهم، وقد كان لافتاً للإنتباه تحدّث النائب ملحم خلف بعد جلسة انتخاب الرئيس الخميس وإعلانه إنطلاق الإعتصام في المجلس حتى انتخاب رئيس. هذا الأمر إستهوى بعض نواب التغيير الذين إنضموا إلى خلف وزميلته نجاة صليبا من أجل إلتقاط الصور والظهور أمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية بينما إعتبر عدد من النواب أنّ انتخاب الرئيس لا يتمّ إلا تحت الضغط.

 

وإذا كان متوقعاً أن تفتح خطوة خلف الباب أمام الإضاءة على الإستحقاق الرئاسي، إلا أنّ ثمة من يغمز من قناة صداقة خلف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يُعتبر العمود الفقري للمنظومة، والكلّ يتذكر أنّه بعد انتخابه نقيباً للمحامين في تشرين 2019 تلقى أول اتصال تهنئة من بري، كذلك كان رئيس المجلس يحاول التسويق لتولّيه نيابة رئاسة المجلس، لكن المعارضة أفشلت هذا الأمر. لذلك يُخشى، حسب المشكّكين من أن تكون خلفيات خلف غير بريئة، وقد تفاجأ النواب من عدم إعتراض بري عندما أخبره خلف بالإعتصام، بل إن بري الذي يُعتبر ملك «الأرانب»، دفع بنائبه الياس بو صعب لمفاوضة النواب وتحضير الرأي العام.

 

ويتمّ الربط بين اعتصام النواب في المجلس وبين عدم تحديد بري جلسة لانتخاب رئيس الخميس جرياً على العادة، بل دعا إلى جلسة للجان المشتركة ستعقد الخميس المقبل، وتزداد المخاوف من استغلال بري هذا الإعتصام للقول إنه لا يستطيع أن ينتخب رئيساً تحت ضغط الشارع، علماً أن خلف وزملاءه لا يستطيعون تحريك الشارع على نحو واسع.

 

والأهم، يحاول بري جلب الأطراف إلى الحوار، وقد فشلت هذه الدعوات سابقاً بسبب رفض المعارضة تحت عنوان أنّ الأولوية هي للإنتخاب وليس للحوار، فاستعان بري ببعض النواب ليقول إن التأزم يزداد ولا مفرّ من الحوار لذلك قد رفع جلسات الإنتخاب إلى أجل غير مسمى، أمّا الأخطر، فإنّ بري ومن خلفه «حزب الله» يريدان الحوار والتوافق لكن على الاسم الذي يريانه يناسبهما.

 

وترافقت خطوة خلف بالإعتصام مع تسريب معلومات ليلاً عن قيام «حزب الله» بمحاولة ضغط جديدة على رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لإقناعه بانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، وسط تأكيد من بعض الأوساط القريبة من «الحزب» أنّ ميقاتي سيتولّى مهمة إقناع بعض النواب السنة بانتخاب مرشحهم بعد الهدايا الحكومية التي مُنحت لهم في وجه باسيل.

 

ولم تقف تحرّكات «حزب الله» عند هذا الحدّ، بل إستُؤنفت جلسات الحوار مع رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في محاولة للضغط أكثر عليه، في وقت يُمهّد جنبلاط لتكويعة ما، في ظلّ حديث في أروقة «الإشتراكي» عن التراجع عن دعم رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض.

 

وما يُعزّز هذه النظرية أكثر هو إعلان أمين سرّ «اللقاء الديموقراطي» النائب هادي أبو الحسن قبل الدخول الى الجلسة «أننا ندرس الخيارات لكسر الجمود كي نخرج من هذه الدوّامة، وبالتالي اتخذنا القرار ككتلة بأن نقوم بخطوة ما هي بمثابة الحثّ على كسر هذا الجمود».

 

وإذا كان إعتصام نواب «التغيير» بقيادة خلف يصبّ في خانة استعجال إنتخاب رئيس، إلا أنّ الأخطر هو تأمين النصاب لـ»الثنائي الشيعي» والحلفاء من أجل انتخاب مرشحهم الرئاسي. وأعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع سابقاً عزمه على تعطيل النصاب مرّات عدّة لمنع وصول مرشّح «الحزب» في حال «اكتشفنا أنه نجح بتأمين الأكثرية»، من هنا كان هناك رهان على بعض نواب «التغيير» لفرط النصاب خدمةً للمعركة السياسية الكبرى، إلا أنّ هذا الإعتصام سيحرج أغلبية نواب «التغيير» والمستقلين إذ إنهم لا يستطيعون إستعمال هذا السلاح لأنه سيُقال لهم: «إعتصمتم لانتخاب رئيس وعندما تأمّن النصاب لأحد المرشحين فرطوه، فأنتم تتحمّلون مسؤولية الفراغ»، ولهذا فإنّ إعتصامهم قد ينقلب عليهم ويوصل إلى مكان لا يريدون الوصول إليه.

 

وأمام تجمع كل هذه العوامل، دفعت خطوة خلف، بنية بريئة أو بهدف الظهور الإعلامي، بعض نواب التغيير وعدداً من نواب القوى السيادية إلى التضامن معهم.

 

ويبقى الأساس، أنّ كل هذه التحركات لا تتم بتنسيق بين القوى المعارضة، فعلى سبيل المثال، فقد شاركت نجاة صليبا في الإعتصام بلا قرار من حزب «تقدم» الذي يضمّ النائب مارك ضو، في حين أن هؤلاء النواب التغييريين غير متفقين على رؤية واحدة للإستحقاق الإنتخابي: فمنهم من يصوّت للدكتور عصام خليفة وآخرون لمعوّض، ومنهم من يضع ورقة بيضاء ونائب آخر يتمايز بوضعه ورقة بيضاء ممزقة، وبالتالي يختلفون على جوهر الإستحقاق ويتفقون على الشعبوية.