يجتاز لبنان مرحلة مفصلية على كل المقاييس السياسية الداخلية والإقليمية لا سيما على ضوء ما يجري في شمال سوريا من تطورات بالغة الأهمية تنبئ بتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة، ومن الطبيعي حيال هذه الأحداث فإن لبنان لن يكون بمنأى عنها على المستويات الاقتصادية والنازحين وصراع المحاور، في وقت أن عودة الخلافات السياسية المحلية هي بدورها عامل سلبي إضافي من خلال ما جرى مؤخراً من تصعيد سياسي غير مسبوق بين الأفرقاء المحليين على أكثر من خلفية، وهذه المؤشرات جاءت بعد الأجواء الإيجابية التي عاد بها الرئيس الحريري من باريس والمؤتمر الاستثماري في أبوظبي.
وبالتالي ما جرى مؤخراً من مؤتمرات وخطابات وتظاهرات فكل ذلك يصب في خانة هذا التصعيد الذي من شأنه أن يفرمل هذه المناخات الإيجابية ولا سيما على صعيد مؤتمرات الدول المانحة التي تواكب وتراقب مسار الأوضاع في لبنان، فكل ذلك دفع وفق معلومات مؤكدة إلى حراك سياسي قد يقوم به في الساعات المقبلة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وإن لقاءهما في عين التينة تناول كل هذه الأجواء والمخاوف والقلق الذي ينتابهما، ولذا فإنّ رئيس المجلس النيابي المشهود له بالمبادرات وإخراجها قد يتحرك باتجاه بعبدا والمختارة للتهدئة في ظل هذا السباق المحموم بين التصعيد والتصعيد المضاد، وعلى هذا الأساس فإنّ هذه التعقيدات تؤزم الأوضاع أمام ما يحصل من تحولات مريبة في المنطقة.
وفي السياق، فإن تطورات شمال سوريا هي موضع مراقبة من قبل المسؤولين اللبنانيين لأن ما يحصل ليس بالأمر السهل أو يمكن التفرج عليه دون اتخاذ أي إجراءات وخطوات قد تحصل في سوريا أو شمالها نظراً لحساسية الوضع الداخلي والانقسام بين مكوناته السياسية ولا سيما أن هناك من هو مؤيد ومعارض لتلك التدخلات والمعارك الدائرة هناك، وعلى هذا الأساس فإن ما يجري اليوم من اتصالات محلية إنما يهدف لعودة لبنان إلى سياسة النأي بالنفس خصوصاً أن ما زاد الطينة بلة الانقسام الكبير حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية وهذا عامل سلبي آخر ويعتبر الأكثر خطورة على تماسك وتجانس الحكومة، لذا ثمة ترقب لما قد يحدث لاحقاً على ضوء لقاء عين التينة والاتصالات المستمرة على غير مستوى وصعيد.
ويبقى أخيراً أن لبنان المنهك اقتصادياً ومالياً ومعيشياً أمامه استحقاقات داهمة ولا سيما موازنة 2020 التي بدورها انتكست على خلفية الأحداث والتطورات التي جرت في الأيام الماضية، وهذا له مردوده السلبي على صعيد التزام لبنان بالعملية الإصلاحية الاقتصادية والمالية أمام الدول المانحة من سيدر إلى أبو ظبي إلى سائر المؤتمرات الاستثمارية والمالية التي يعول عليها لبنان كثيراً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها، ما يعني أن البلد مقبل على تطورات ليست سهلة أمام ما يعانيه من أزمات داخلية وصولاً إلى الأحداث في المنطقة وتحديداً التدخل التركي في شمال سوريا وما قد يسفر عنه من تداعيات وانعكاسات في المنطقة وصولاً إلى الساحة اللبنانية.