بينما كان النائب والوزير السابق مروان حمادة يشهد للتاريخ في لاهاي، في وقفته الثانية أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الناظرة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان رئيس الحكومة تمام سلام يُصدر مذكرة التعطيل في عيدي الميلاد ورأس السنة… صحيح أنَّ لا رابط مشتركاً بين الحدثين… حدث الشهادة وحدث إصدار المذكرة.
لكن ما يجدر التوقف عنده هو أنَّ النائب حمادة يُذكَر في الحدث النادر، فيما الرئيس سلام لا يُذكَر إلا في إصدار مذكرة التعطيل.
***
ربما سيُذكَر أيضاً في زيارته للعاصمة الفرنسية، ولكن ماذا يمكن أن ينجم عنها؟
فرنسا كان لها موفدٌ في بيروت في اليومين الأخيرين بَحث في ملفِّ الرئاسة مع جميع الأقطاب من دون إستثناء، ولكن هل ترجمَ أحدٌ له ما قاله رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، بعد إجتماع تكتل التغيير والإصلاح، من أنَّ المشكلة التي لدينا ليست مشكلة إنتخاب شخص لرئاسة الجمهورية، المشكلة هي إنتخاب الجمهورية وبقاؤها، وعلى هذا الأساس أنا مستعد لأتفاوض مع أيٍّ كان، وإلاّ فأنا مستمرٌّ في المعركة؟
ربما سيصعب على الموفد الفرنسي فهم معنى عبارة إنتخاب الجمهورية التي إستخدمها العماد عون، ففي فرنسا، من الجمهورية الأولى وحتى الجمهورية الخامسة، لم يكن هناك شيء إسمه إنتخاب جمهورية بل إنتخاب رئيس جمهورية، فما قَصَدَهُ العماد عون فَهِمَهُ الموفد الفرنسي من أنَّ لا تسهيل لإنتخاب رئيس الجمهورية في المرحلة الحالية، وأنَّ حكومة الرئيس تمام سلام ستبقى قابضة على السلطة التنفيذية وصلاحيات رئيس الجمهورية إلى ما شاء الله.
***
لكن هذا الفراغ كيف يمكن ملؤه؟
لعلَّها المرة الأولى في تاريخ جمهورية الطائف حيث يبدو الأفق مسدوداً، فمنذ هذا الإتفاق وحتى اليوم كان هناك، إما راعٍ عربي، وإما راعٍ دولي، وإما الراعيان معاً، وكان هؤلاء الرعاة يتولون العناية بلبنان بعد كلِّ نكسة:
كانت هناك اللجنة السداسية العربية التي تُوِّجَت باللجنة الثلاثية العليا التي أوصلت إلى إتفاق الطائف، وكانت برعاية أميركية. وفي العقد الأخير، كان هناك إتفاق الدوحة الذي أوصل إلى إنتخاب رئيس للجمهورية بعد شغورٍ لسبعة أشهر.
اليوم، ليس هناك لا لجنة سداسية عربية ولا لجنة ثلاثية عليا ولا راعٍ أميركي لأيِّ مسودة إتفاق أو لأيِّ إتفاقٍ مفترض. اللبنانيون متروكون لمشيئتهم وأقدارهم، وحين يكون الأمر كذلك فهذا يعني أنَّ ملف الرئاسة لم ينضج بعد، وقبل نضوجه هناك عدة محطات لا بدَّ من أن يمرَّ بها وهي في معظمها خارجية وأهمها:
لا رئاسة وإنتخابات رئاسة، قبل معرفة مسار التطورات في سوريا.
لا رئاسة وملفات رئاسة، قبل معرفة مسار التطورات على خطِّ التفاوض بين واشنطن وطهران في الملف النووي الإيراني.
في هذه الحال ما على اللبنانيين سوى الإنتظار، وسيبقى الرئيس تمام سلام يُصدر مراسيم التعطيل في أيام العطلات إلى أن يعود تشغيل محرِّكات الرئاسة.