IMLebanon

ستة سيناريوهات رئاسية

 

 

لا شيء على الرادار الأميركيّ – الخليجيّ يدعى «رئيس مقبول من الجميع» أو «رئيس يفهم اقتصاد» أو «رئيس توافقي» وغيرها من التسميات. هناك فقط «رئيس مع حزب الله» و«رئيس ضد حزب الله». والأمر نفسه ينطبق على الحزب بعد التجارب المتعددة: هناك فقط «رئيس مع المقاومة» و«رئيس ضد المقاومة» أو «رئيس يلتزم الأوامر الخارجية بأجنداتها الواضحة» و«رئيس لا يلتزم».

 

لكن، لا الولايات المتحدة والخليج من جهة ولا الحزب من جهة أخرى يشحذون السكاكين لتحقيق مبتغاهم بالقوة. الجميع يؤثر القنوات الديبلوماسية مع كل ما للقوة الناعمة من وسائل ترغيب. فرغبة الأميركي بوصول «رئيس ضد حزب الله» لا تعني – حتى اليوم على الأقل – أنه مستعد لإحراق الأخضر واليابس لتحقيق ذلك، بل يفضل استراتيجية النفس الطويل، بعدما ثبت عدم جدوى ردود الفعل السعودية المتسرعة. وهي مقاربة كان حزب الله سباقاً إليها عبر تفضيله رئيس حكومة ديبلوماسياً يراعي الخليج ويرضي الغرب بدل رئيس حكومة كسر عظم، وترحيبه بما يحاول المرشح سليمان فرنجية بناءه من جسور مع السعوديين وغيرهم. هذا كله يوحي بحرص الطرفين على تحقيق أهدافهما، أو نسبة كبيرة منها، من دون تصعيد مباشر.

 

وخلافاً لما يشاع عن تسويات يمكن أن تفضي إلى قبول الحزب برئيس جمهورية «مقبول» من الجميع مقابل احتفاظه برئيس مجلس وزراء «مقبول» منه مثل الرئيس نجيب ميقاتي، لأن رئاسة الحكومة أهم بالنسبة إليه من رئاسة الجمهورية، تؤكد معلومات أن رئاسة الجمهورية بالنسبة للحزب، هي الأهم لأن الرئيس هو من يوقع مراسيم التكليف والتشكيل، وهو الناطق باسم الدولة والممثل الرسمي لها في السياسة الخارجية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمرجع الأول في ما يخص تعيين المراجع القضائية. وفي غياب ملامح اتفاق لبناني طويل الأمد، لا يمكن تخيّل حزب الله يوافق على مقايضة يمكن أن ينقضها الأميركيون بعد عام أو عامين، كما حصل قبل خمس سنوات حين أخرجوا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من السراي، وما كان يمكن أن يقدموا عليه لو لم يصمد الرئيس ميشال عون في بعبدا أو لو كان هناك رئيس آخر يوقع ما يريدونه من مراسيم. هذا كله ليس تفصيلاً ثانوياً في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، لمخالفته كل ما يسوق، وتأكيده في المقابل على تعامل الحزب مع انتخابات رئاسة الجمهورية كاستحقاق سياسيّ بامتياز، لا يجوز ربطه بملفات جانبية أخرى وبكل ما يسبقه ويليه، إلا إذا كان ثمة قرار داخلي – خارجي اليوم بوضع جميع الملفات اللبنانية العالقة على الطاولة. وهو ما يفتح الباب أمام ستة سيناريوهات رئيسية في ما يخص الاستحقاق الرئاسي:

1- تمسك خصوم الحزب بتأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، مع ما يستتبع ذلك من تكليف وتشكيل «ينسجمان مع الرئيس» في مستهل عهده. وهو ما يستدعي بطبيعة الحال توحيد هؤلاء لصفوفهم والبحث عن مرشح يمكن أن يلاقي قبولاً من كتل أخرى لا تناصب الحزب العداء، مثل كتلة النائب وليد البعريني وكتلة اللقاء الديموقراطي، إضافة إلى كتلة التيار الوطني الحر.

 

2 – تمسك الحزب بتأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس، مع ما يستتبع ذلك من تكليف وتشكيل «ينسجمان مع الرئيس. وهو ما يستدعي انضمام كتلة اللقاء الديموقراطي وكتلة النائب وليد البعريني وكتلة النواب الأرمن وأفرقاء آخرين إلى جهة الحزب.

3 – تقدم طرح جديّ ما يقتضي قبول الحزب بانتخاب رئيس جمهورية مقرب منه مقابل رئيس مجلس وزراء مقرب من خصومه، وهو ما يمكن قراءة وسماع الكثير عنه لكن لا يوجد أي بحث رسمي جدي في شأنه.

4 – قبول خصوم الحزب بتسوية تقضي بانتخاب رئيس جمهورية مقرب منهم مقابل حصول الحزب على رئيس مجلس وزراء مقرب منه. وهنا ثمة عثرة كبيرة لا يمكن تجاوزها تتمثل بعدم وجود مرشح لرئاسة مجلس الوزراء أفضل في هذه المرحلة، بالنسبة للحزب والحركة، من الرئيس نجيب ميقاتي الذي – رغم علاقته الوطيدة بهما – يبقى أقرب بكثير إلى الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية.

5 – إخراج الاستحقاق من الاصطفاف السياسي كما يطالب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتحويله إلى مناسبة للبحث عن مخارج اقتصادية وسياسية للأزمة، تضمن حلولاً للمواطنين من جهة وطمأنة الداخل والخارج من جهة أخرى. وتمثل هذه المقاربة الافتراق السياسي الجدي في تقدير الموقف بين الحزب والتيار، في ظل مقاربة عونية تقول إن الرئيس هو العهد، والعهد هو رئيس جمهورية ومهل دستورية تحتاج إلى تعديلات ورئيس مجلس وزراء وحكومة وتعيينات أمنية وقضائية ومالية وإدارية والتزامات داخلية وخارجية في ما يخص استخراج النفط وسياسة مالية وست سنوات من العمل المشترك. وقد خلصت التجربة العونية السابقة في الحكم إلى أن غياب الاتفاق الأولي الشامل، بضمانات خارجية جدية، على هذه جميعها لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من المراوحة في الأزمة. في ظل موقف عونيّ واضح بأن انتخاب سليمان فرنجية رئيساً هو مجرد تفصيل في مشهد كامل يتضمن فرنجية رئيساً للجمهورية وميقاتي رئيساً للحكومة واستقراراً كاملاً في تركيبة قضائية – مالية – أمنية – اقتصادية تنسجم معهما.

لا يمكن تخيّل حزب الله يوافق على مقايضة يمكن أن ينقضها الأميركيون بعد عام أو عامين

 

6 – عدم تمكن الحزب أو خصومه من تأمين النصاب لانتخاب رئيس مواجهة، وانسداد أفق التسويات، وعدم قبول المقاربة العونية بما يعني استمرار الفراغ.

عملياً، وبعيداً من طموحات القيادات وحماسة المحازبين وإيمان السفراء بأنفسهم، لا يمكن القول إن ثمة سيناريو من هذه يتقدم على آخر. وما يتخيله البعض سيناريو خيالياً خارقاً، يصدقه بعض آخر ويؤمن بقدرته على تحقيقه ويصف سيناريو خصمه بالأوصاف نفسها. ومع ذلك فإن الديناميكية القطرية – الفرنسية – الأميركية تبلغ ذروتها في الحشد (وفق السيناريو الأول) لمرشحها المتمثل بقائد الجيش العماد جوزف عون، محاولة استيعاب واستقطاب باسيل عبر البناء على السيناريو الخامس، خصوصاً أن الطرح القطري لا يقف عند حدود رئاسة الجمهورية إنما يشمل أفكاراً عن مجمل المرحلة المقبلة من رئاسة الحكومة (التي لا يمكن العونيين تخيل ميقاتي يكمل فيها) إلى استخراج الغاز إلى الحلول المالية الممكنة. وهنا تتوسع الهوة أكثر فأكثر بين التيار والحزب وتضيق بين باسيل والقطريين. مع العلم أن هذه الديناميكية القطرية – الفرنسية – الأميركية تتصاعد نحو الذروة القريبة، فيما محركات الحزب لا تزال مطفأة بالكامل.