طيور النورس هُجِّرت، وبالتالي زال خطرها المحتمل على حركة الطيران، وعاد القوم الى حقل لصيد القوانين الانتخابية، بما فيها وما حولها من تجاذبات ظاهرها صراع داخلي، يشكّل امتدادا لهواجس معروفة ومرتبطة بمعايير الأحجام والأوزان، وباطنها، قليله من هذا، وكثيره مستورد، فالانتخابات في بلدنا، كما في غالب البلدان، فرصة تتجدد، لتصفية الحسابات.
يتساءل البعض، لماذا النائب وليد جنبلاط، ولا غيره ممن يرتضي لنفسه دور رأس الحربة في الدفاع عن قانون ١٩٦٠ المعدّل بقانون ٢٠٠٨، والذي بات يعرف بقانون الدوحة، القائم على النظام الأكثري، فيما سبق له ان ماشى دعاة القانون المختلط، أي النصف أكثري ونصف نسبي، من حركة أمل الى تيار المستقبل الى القوات اللبنانية، والجواب لدى المتابعين، انه بالاضافة الى جرأة جنبلاط المعهودة، هناك هوائياته السريعة الالتقاط، وعندما يصرّ حزب الله على النسبية الكاملة والدائرة الموسّعة، كما جدّد النائب محمد رعد التأكيد أمس، فان على جنبلاط، ومن في مثل وضعيته الانتخابية، ان يدرك بأنه قد يكون في المرمى، قبل سواه.
وذهب البعض الى وزن الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة بمعيار الأوضاع القائمة في سوريا، فاذا استتب الأمر للنظام، شيء، واذا استمر متماهيا، شيء آخر.
وفي تقدير المتابعين، ان سلبيات النسبية المطروحة، لن تنال من لقاء جنبلاط النيابي وحده، ولا أي من مكونات ١٤ آذار المتباعدة الآن، ستكون بمنأى عن هذه المضار.
وعلى هذا فان التمسك بقانون الدوحة، الذي ولد المجلس الحالي من رحمه، عام ٢٠٠٩، يبقى بمثابة الدرع الواقية، من لفحات الرياح الاقليمية الباردة التي يصعب ابعاد مجراها عن واقع لبنان.
وتظهيرا لموقفه الحاسم هذا، كلّف جنبلاط بعض نواب اللقاء بالتجوال على الكتل النيابية الأخرى للتبليغ والتوضيح، مع الثقة، بأن كثرا سوف يقولون قوله في نهاية المطاف، بمعزل عن طروحاتهم السابقة، المرتبطة أساسا بطبيعة المفاوضات والمزايدات، المرتبطة بها عادة.
ويقول النائب غازي العريضي، وهو أحد أعضاء وفد اللقاء، ان الحزب التقدمي الاشتراكي مع القانون الساري المفعول معدّلا… والتعديل المقترح هو ضمّ الشوف الى عاليه، وجعلهما دائرة واحدة، وليس كل منهما دائرة في ذاته، الأمر الذي اعتبره الآخرون بمثابة رفع للسقف، طالما ان المفاوضات قائمة… ولأن اعادة النظر بدائرة معيّنة يوجب اعادة النظر بالدوائر الأخرى، وهذا لا الوقت الانتخابي يسمح به، ولا الأمزجة السياسية كذلك.
وتبدو أوساط جنبلاط، أقل قلقا مما يُظهر، خصوصا بعد موقف الدكتور سمير جعجع، وديمومة تحالفه مع الرئيس نبيه بري، والاطمئنان الى عدم استغناء سعد الحريري عن وهج المختارة، فهؤلاء لا يتوقعون العودة الى برلمان ٢٠٠٩، من دون رفقة جنبلاط، تماما كما لن يكون بوسع جنبلاط ان يحقق الحجم النيابي الملائم، منفردا، وبمعزل عن هؤلاء الحلفاء، أو من تجمعه بهم رفقة الدرب الانتخابية دائما، من المستقلين.
المجلّون من الناس يفكرون بالوسائل التي توصلهم الى الهدف، وليس بالعوائق التي قد تمنع هذا الوصول، لأن الوسيلة كفيلة بتجاوز العقبات…
وهكذا حال الساسة عندنا، يركّزون على قانون الانتخابات، الذي هو الوسيلة، ولا يأبهون للعوائق الحقيقية أو المستعارة، لأن الوسيلة الناجعة تتكفل بها.
غبطة البطريرك مار بشاره الراعي، يرى بنوع من التغيير في الذهنيات، مع تجديد روحي وأخلاقي لدى العاملين في الحقل العام.
والتغيير في الذهنيات، يفترض ان يشمل الوزارات والادارات العامة، التي تحوّلت الى محميات لفئة رؤسائها، والى موطن لأخطر فيروسات التقاعس والفساد، فالقوانين من دون تطبيق، حبر على ورق.