عاد الاقتراح الارثوذكسي لقانون الانتخاب الى منصة التداول السياسي، بعد تعثر مشاريع القوانين الاخرى، الاكثري والمختلط، والنسبية الكاملة. والمفارقة ان هذا الاقتراح الطائفي بامتياز سبق ان قوبل بالرفض الشديد، حاله كحال قانون الستين. فاذا باللبنانيين يفاجأون اليوم بتجدد الحديث عن دمج القانونين البغيضين، وبتعبير أدق، احياء الستين بنكهة «ارثوذكسية».
الاقتراح الارثوذكسي الذي ينسب خطأ الى نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، وضع في الاساس في أيلول 1997، بتوقيع «التجمّع اللبناني الأرثوذكسي» برئاسة لطف الله خلاط. وفي عام 2005، سلّم التجمّع مشروعه إلى لجنة فؤاد بطرس. وكما هو معروف فان فكرته الرئيسية هي في ان تنتخب كل طائفة نوابها، على اساس النسبية في لبنان دائرة واحدة.
ومن دون ادنى شك فان اعتماد هذا الاقتراح يضع الاسس الصلبة لفيدرالية الطوائف وينقلها من حالة الامر الواقع الى الواقع الدستوري، والتقسيمي بطبيعة الحال. واذا كانت حجة المطالبين به هو تصحيح التمثيل وازالة الهيمنة على المقاعد المسيحية، فان اخطر سلبياته انه يقضي نهائيا على العيش السياسي المشترك، وعلى المناصفة، اذ يفتح الباب مشرعا امام المثالثة.
أما قانون الستين فسلبياته عديدة، وابرزها انه الغائي، يسقط اصوات فئات واسعة من الناخبين ويحرمهم من ايصال مرشحيهم الى الندوة البرلمانية، وفق منطق الاقلية والاكثرية، وهو ظالم في تقسيماته للدوائر الانتخابية على اساس الاقضية من دون مراعاة ما طرأ من تغييرات كبيرة على هذه الاقضية… ولكنه في مقابل «الطرح الارثوذكسي» يحافظ على بعض ملامح الوحدة الوطنية بانتخاب نواب باصوات ناخبين من غير طوائفهم.
التوليفة الجديدة التي يعمل عليها للدمج بين الصيغتين غير واضحة بعد، وعلى الارجح ان تكون اعادة لاقتراح سابق يقضي بانتخاب 64 نائبا وفق الارثوذكسي (مسلمين ومسيحيين) على اساس لبنان دائرة واحدة، مقابل 64 نائبا وفق النظام الاكثري على اساس 26 دائرة ما يعني عمليا قانون الستين.
هذه الصيغة الفريدة درستها لجنة التواصل النيابية عام 2013 ورفضتها، علما ان مؤيديها اعتبروا انها تحترم الخصوصية المسيحية، فهي توصل الى المجلس النيابي 60 نائبا مسيحيا باصوات طائفتهم.
الاقتراح «الفرزلي» طائفي بامتياز، وقد حاول واضعوه الاساسيون (التجمّع اللبناني الأرثوذكسي) تلطيفه ونفي هذه الصبغة عنه، من خلال احترام حقوق من يرغبون بعدم تصنيفهم وفقاً لديانتهم، وذلك من خلال وضع «السجل 19» الذي يمكن للعلمانيين الانتساب إليه، وبالتالي اختيار ناخبيهم حسب العدد المخصّص للمقاعد العلمانية. وهذا ما لم يلحظه مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» الذي قدّمه الفرزلي.
كما أنه مشروع ظالم والغائي لانه يحرم اعداد كبيرة من المواطنين من حق الاقتراع اذا كانت قناعاتهم هي بانتخاب مرشحين من غير طوائفهم، ويحرم مرشحين يمثلون حيثية شعبية وطنية من الوصول الى النيابة.
وأخيرا فان الاقتراح الفرزلي المسمى ارثوذكسي يقضي على المناصفة لانه يفرز ثلاث كتل طائفية كبيرة، مسيحية سنية وشيعية، ستشكل المدماك الاول في مشروع المثالثة التي يحلم بها البعض. يصح ذلك على انتخاب كامل المجلس النيابي او نصفه على اساس طائفي.
اما اذا كانت الصيغة الجديدة تلحظ ابقاء تقسيمات الستين ليتم الاقتراع وفق الارثوذكسي، فهذا أسوا وأخطر، لانه ينزع من الاخير الايجابية الوحيدة فيه، اي الاقتراع لكل لبنان. ويمهد الطريق الى قيام تكتلات طائفية – مناطقية صغيرة، هي عبارة عن جزر لا تتصل الا بمثيلاتها في البحر السياسي اللبناني.
قد يكون الحديث مجددا عن الاقتراح الارثوذكسي مجرد تلويح وتهويل في اطار رفع السقوف، وهذه لعبة ممجوجة، أما اذا كان الهدف تطبيقه فعليا، فعلى عهد الوحدة الوطنية السلام.