الازمة الحكومية دخلت وفق اوساط سياسية مساراً سياسياً مختلفاً سوف يؤدي الى تسريع ولادتها. فالتعثر الحكومي ليس بسبب حقائب ووزارات او ناتش حصص بين اصرار تيار المردة على حقيبة سيادية وتمسك القوات بـ«الاشغال» لانتزاعها من الرئيس نبيه بري، فالمشكلة الحكومية سياسية تتمحور حول صراع الاقوياء ومن يمسك بمفاصل اللعبة السياسية ومن سيكون له الدور الاكبر والمؤثر في الساحة السياسية.
واذا كان رئيس الجمهورية هو الاكثر اطمئناناً، وارتياحاً لمسار الامور، وهو الذي قطع اشواطاً بمعالجاته السياسية باستثناء «المردة» مع كل الاطراف في الداخل والخارج مستقبلاً في قصر بعبدا تناقضات سياسية ومتلقياً دعوات من رؤساء وملوك ودول لزيارتها، فان الرئيس المكلف لا يبدو في وضعية رئيس الجمهورية نفسـها تؤكد الاوساط، فالـطريق الى السـراي كان يبدو في حسابات الحريري اسهل من التوقـعات خصوصاً ان ملف تأليف الحكومة لا يشهد تعقيدات عميقة كما كانت عليه الحـال في الحكومات الماضيـة، فلا «فيـتوات» سياسية قاسية والوضع السياسي انقـلب رأساً على عقب فتداخـلت 8 و14 آذار ببعضـها، وسقطت الاصطفافات السياسية بعد ان اصبح سمير جعجع حليف رئاسة الجمهورية، وبعد ان سمى الحريري نفسه ميشال عون رئيساً.
وعليه فان وضعية الحريري كما تقول الاوساط مبهمة، فهو شارك في «الماراتون» الرياضي وكان نجمه السياسي وشارك في حملة دعم النازحين السوريين ويحرص على اطلالاته السياسية بدقة والحياة عادت الى بيت الوسط فلا اشكالية في استقبال فرنجيه وجعجع في فارق زمني بسيط لكن الحريري يتطلع الى ما بعد المماطلة، وسياسة التعطيل التي يضعها الرئيس المكلف في خانة ما يحصل بين رئاسة الجمهورية وحزب الله.
وتقول الاوساط ان الحريري غير مستعجل في التأليف، وهو يلعب بمهارة سياسية على وتر الاحداث والصراع الحكومي لاطالة الازمة ربما هروباً من استحقاق قانون الستين الذي يرعب تيار المستقبل خصوصاً انه لم ينجز كل الترتيبات بشأنه ولا يزال شبح الانتخابات البلدية يطارد المستقبل على مشارف الانتخابات الرئاسية. فدخول السراي امرٌ مفروغ منه ومنتهى بالنسبة الى الرئيس المكلف، لكن المشكلة هي في انجاز ما بعد الحكومة وكيفية التعايش بين المكونات السياسية والملفات التي ستواجهها الحكومة وقد يكون اخطرها وادقها على المستقبل ملف الانتخابات النيابية.
استطاع الحريري، تضيف الاوساط، ترتيب هيكلية تيار المستقبل بعد ان جمع قيادات وكوادر التيار الازرق واعاد تسليم المقربين منه ومن عائلة الحريري والاصدقاء زمام السلطة في التيار. ويعمل على معالجة وضعه المادي وتجميد ازمته المالية، ويمكن القول كما تقول الاوساط ان الحريري انجز امورا ولا تزال اخرى عالقة، فهو استطاع ضبط «جماح» وشهوة قيادات في المستقبل فتحت على «حسابها» في غيابه واستطاعت تحقيق انتصارات في السياسة عليه.
ربح في جولات كثيرة ولا تزال جولات اخرى مهمة. فهو اعاد ترتيب علاقته مع حليفه في معراب الذي ذهب الى تفاهم «مخيف» مع الرابية، وهو يدرك ان الثنائية المسيحية تتطلع الى استحقاق الانتخابات لاسترجاع حقوقها وتحقيق اجتياح في المناطق المسيحية فيما هو سيكون على تماس قوي مع قوى سياسية في مناطق كانت حكماً له في الاستحقاقات السابقة.
وهذه المعطيات تعطي الرئيس المكلف دفعاً عند تأليف الحكومة في رأي الاوساط، ويبقى بحاجة الى توافر مقومات اخرى، فالعودة الى السلطة في هذه الحقبة، لا تشبه الحقبة عندما خرج الحريري منها عام 2011 وقبلها، فثمة تبدل كبير وجذري في موازين القوى ووضع المنطقة، فمعركة حلب على وشك ان تنتهي بانتظار النظام السوري «الخصم» للرئيس المكلف، ومفتي سوريا احمد بدر الدين حسون مرحب به بقوة في قصر بعبدا والصرح البطريركي. والامين العام لحزب الله له الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي. فهل يعلنها السيد مساء الغد وتكون اطلالته شبيهة بتلك الاطلالة يوم 12 تشرين الاول التي مهدت لوصول عون الى الرئاسة فنشهد ولادة حكومية في الايام القليلة الفاصـلة عن الاعياد؟