لا يختلف اثنان على ان ضربة برج البراجنة كانت موجعة وسيبقى اثرها في جسم الامن اللبناني الذي سبق له ان عانى من ضربات مماثلة لكن ليس بحجم الاخيرة، وما يترك ايجابية في هذا المجال ان القوى الامنية وضعت يدها على من خطط ونفذ العملية وكيف تحرك في اكثر من اتجاه الامر الذي يوحي وكأن مثل هكذا حدث لن يتكرر لكن ذلك من المستحيل استبعاده قياسا على ما حصل في فرنسا في اكثر من مناسبة مماثلة اوقعت العشرات من الضحايا ما جعل السلطة تشعر بانها مقصرة تجاه من استهدف الفرنسيين!
صحيح ان اجراءات باريس صعبة التقليد في لبنان نظرا للواقع الذي نعيشه وحيث لا مجال لاتخاذ تدابير زجرية تحمل طابع التحدي في عدد من المناطق ذات الاكثرية المسلمة، لان لبنان مقسم بين مجموعات اتنية مختلفة لا تجيز ما يمكن اتخاذه في غير مكان، خصوصا ان اي حركة من هذا النوع ستقابل عندنا بحساسية سياسية ومذهبية في آن وهذا ما سبق حصوله في منطقة طرابلس مثلا، على رغم الحاجة الملحة الى تدابير ملحة، والا فان الفلتان الامني سيتكرر وتتكرر معه المجازر كما حصل الاسبوع الفائت في برج البراجنة، اضافة الى ما سبق حصوله في عدد كبير من الامكنة اللبنانية خلال فترة الحرب، المهم ان سياسيينا فهموا المطلوب منهم ولم ينساقوا وراء تحديات فارغة الامر الذي ادى الى استيعاب نتائج العمليات الارهابية من غير ان يعني ذلك انها باتت مستبعدة تماما، وهذا ما يقال صراحة في باريس حيث هناك تخمة من المواطنين غير الفرنسيين ممن سبق لهم ان عانوا من اجراءات الانتداب الفرنسي في الامكنة التي كانت خاضعة للاحتلال مثل المغرب وتونس والجزائر التي تعاني معظمها من فلتان يستحيل على القوى الامنية تجنبها فيما اضطر الفرنسيون ان يشكلوا قوى امنية من هؤلاء على امل ضبط التجاوزات بلغ عددها قياسا على اعداد رجال الامن خارج باريس بنسبة اثنين واربعين في المئة؟!
هذه الارقام ليست ضخمة بالنسبة الى العاصمة الفرنسية التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، وهي نسبة قريبة من اعداد المسلمين في بلجيكا حيث شارفوا على ان يصلوا الى سبعة وثلاثين في المئة من تعداد البلجيكيين ممن يعانون الامرين من تصرفات اللاجئين الذين نالوا حصة كبيرة جراء حيازة الجنسية البلجيكية ما جعل الامور غير قابلة للمراقبة قياسا على الاحداث الامنية المتعاقبة في كل من بلجيكا وفرنسا وبعض الدول الاوروبية!
كان الفيلسوف الشاعر سعيد عقل رحمه الله يقول ان كل دولة يزيد عدد الغرباء فيها عن سبعة في المئة مصيرها الانتحار الذاتي. ونحن في لبنان يوازي عدد سكانه 46.7 في المئة قياسا على ما فيه من غرباء وطارئين ما يدعو الى عدم استغراب الفلتان الامني السائد، اضف الى ذلك ان الحرب اللبنانية اشعرتنا بان ما حفلت به سنين الحرب كان في معظمه من فعل الغرباء الذين اتخمونا باغتيالات وتفجيرات اوقعت الالاف من القتلى والجرحى وخلفت دمارا في عدد كبير من المناطق من غير حاجة الى الزعم ان الغرباء نفذوا المطلوب منهم لما فيه مصالح المتقاتلين المحليين.
واليوم لا تختلف الجرائم عما سبق حيث داعش والنصرة ينفذان ما يطلب منهما لمصالح خارجية كي لا نقول انهما صناعة محلية، على الرغم من الدور الذي تمارسه «الجالية الفلسطينية» بما في ذلك اللاجئين السوريين الذين لا يهمهم سوى خدمة مآرب لا مصلحة للبنان فيها، بدليل ما حصل اخيرا وهذا الشيء يسأل عنه الغريب في فرنسا كما في لبنان، وهذا ما يجب التحسب له كي لا تتكرر مجازر الارهابيين الى اية طائفة انتموا او عملوا ووظفوا مصالحهم التي تلتقي مع اي فعل غريب عن البلد.
وما يقال عن لبنان لا بد وان يقال مثله واكثر عما يقال عن فرنسا وبلجيكا واسبانيا وبريطانيا التي كشفت اخيرا عن شبكات ارهاب كانت بصدد تنفيذ اعمال في وقت قريب في عدد من المدن البريطانية، وان ننسى لا ننسى ما عانت مصر منه من اعمال الاصوليين الذين وظـفوا ثقل جرائمهم ضد وطنهم لغايات لا تعرف حاجة الوطن اليها.
وطالما ان جرائم الارهابيين لا تعرف مكانا ولا زمانا بالنسبة، الى ترجمتها، فان الحال في لبنان مرشحة لان تشهد المزيد من الاعمال الارهابية، لان الامور مفتوحة على كل ما له مصلحة مع الغرباء خصوصا ان معدل هؤلاء قد ارتفع في الاونة الاخيرة بشكل مخيف يبشر بما هو اسوأ على مدار الساعة. والشكر كل الشكر للقوى الامنية والعسكرية التي لا تتوانى عن العمل لما فيه المصلحة العامة، شرط ان يقوم المواطن العادي بالمطلوب منه ولا يماشي الغريب في اي عمل ارهابي القصد منه هز الاستقرار في البلد، من غير ان تكون مصلحة سوى الغرباء الذين جل همهم اقلاق راحة اللبنانيين؟!