لم تنتهِ المفاوضات الجارية بين «بيت الوسط» و»عين التينة» قبل مرورها بقصر بعبدا إلى صيغة نهائية للحصص الوزارية قبل إسقاط الأسماء على الحقائب. ومردُّ ذلك إلى استمرار تبادل «الفيتوات» حول الوزارات السيادية والخدماتية منها على خلفيات انتخابية. وهو ما قاد إلى حرب أحجام لمجموعة تستعدّ لإدارة الانتخابات المقبلة أكثر ممّا هي لإطلاق دينامية إعادة بناء الدولة. فكيف ولماذا؟
بمعزل عن حصيلة اللقاءات التي عقِدت في الساعات الأخيرة سعياً إلى فَكفكة بعض العقد التي تَحول دون توزيعةٍ أوّلية للحصص والحقائب السيادية والأساسية في الحكومة العتيدة، فإنّ ما هو ثابت أنّ التوليفة الحكومية الأولى، سواء توسّعت لتكون ثلاثينية أو العودة الى صيغة الـ 24، ستكون منصّةً لإطلاق التحضيرات اللازمة للانتخابات النيابية المقبلة، سواء بقانون جديد، أو بقانون الستّين لا فرق، فكلّ ما هو محسوم في العَلن أنّ الانتخابات ستَجري في موعدها وستقفَل الصناديق قبل حلول شهر رمضان الذي يصادف في حزيران المقبل.
وليس سهلاً إخفاء النيّة التي يخوض على أساسها معظم الساعين إلى «الجنّة الحكومية» حربَ الأحجام الطاحنة أمَلاً منهم في أنّ من يَحظى بالحقائب السيادية والسياسية والخدماتية الدسمة سيتسلّح بمزيد من الأسلحة التي تعزّز «جيشَه الانتخابي» إلى جانب «الماكينات الانتخابية» التي ستتولّى توزيعَ المغانم والحصص على الناس في مواجهةٍ يُتوقع أن لا يكون لها سابقة.
ويَعترف الغارقون في المفاوضات الجارية لإعداد توليفةِ حكومية «بأنّ التحالفات السياسية والحزبية الجديدة التي بُنيت على أنقاض مجموعتَي 8 و14 آذار والتي قادت إلى الاستحقاق الرئاسي وما سيُنتجه حكومياً، ستخوض أشرسَ المعارك الانتخابية على أكثر مِن مستوى، ولن يكون أمامها عائقٌ دستوري أو قانوني، فكلّ الأسلحة المتوافرة ستُستخدَم في المعركة المقبلة».
ويضيف هؤلاء: «لقد اطمأنَّ أهل الحكم الجديد والحكومة التي ستولد عند قراءتهم للتحالفات التي قادت إلى الاستحقاق الرئاسي أنّه لم يعُد لديها ما تخفيه على الناس، وهي تدعوهم إلى منازلة طاحنة تحت شعارات جديدة تدعو إلى تكريس منطق قديم – جديد في العمل السياسي، مبنيّ على نظرية أنّ «الغايات تبرّر الوسائل» بكلّ ما حملته من مفاجآت حَملتها «أوراق التفاهم» المختلفة التي ولِدت بين ليلة وضحاها وأطاحت بكلّ ما كان موضوعاً على لوائح «الثوابت والمبادىء السياسية» التي تحكّمَت لعقدٍ مِن الزمن واكبَ مسلسل الاغتيالات التي تلت جريمة 14 شباط 2005.
كما تجاوزَت أو تجاهلت مواقفَ مبدئية ممّا يجري منذ ستّ سنوات على الأراضي السورية والعراق واليمن وتردّداتها على دول الجوار والساحات الإقليمية والدولية».
ويعتقد مراقبون أنّ اللبنانيين يستعدّون لخوض غمار الانتخابات النيابية المقبلة مطمئنّين إلى الحدّ الأدنى من الهدؤ والاستقرار الأمني والاقتصادي في البلاد فرضَته معادلات دوليّة وضَعت لبنان خارج تداعيات الجحيمين السوري والعراقي وتردّدات أزمات اليمن والمواجهات المفتوحة على مساحة العالم الإسلامي ما بين محورَي الرياض وطهران وما يستظلّانه مِن أحلاف دولية لم تعُد تستثني دولةً عظمى في القارّات الخمس.
على هذه الخلفيات يبدو أنّ الجميع استسلم أو سيَستسلم قريباً للتفاهمات التي يمكن أن تطلق يدَ الرئيس المكلّف تشكيلَ الحكومة الجديدة ليخوضَ ومعه أهل الحكم والحكومة الجديدة الاستحقاقات المقبلة التي تفرضها المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة بالتزامن مع استقصاء المواقف الإقليمية والدولية التي تعِد اللبنانيين بمزيد من الدعم المالي والاقتصادي والعسكري.
فكلّ العيون مفتوحة على الترتيبات التي بوشِرت من أجل ترتيب مؤتمر «باريس 4» مطلع السنة الجديدة، كذلك بالنسبة إلى الهبة العسكرية السعودية بوجهيها: المليارات الثلاثة المخصّصة للأعتدة والأسلحة الفرنسية، وهبة المليار الرابع لاستكمال بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية وتجهيزها وتنفيذ البرامج التي وضِعت تحت عنوان مواجهة الإرهاب على أكثر من مستوى.
ولذلك يبدو واضحاً أنّ البحث في التوليفة الحكومية الجديدة لا يركّز على أهل الاختصاص بمقدار ما يبحث عن الصقور المرشّحين لخوض المواجهة المحتملة التي سيقودها كلّ فريق ضد منافسيه على الساحة الانتخابية.
فموجة الإستيزار أظهرَت أنّ السعي إلى توزيع المقاعد الحكومية على المفاتيح الانتخابية في المناطق والدوائر الانتخابية يدلّ بما لا يرقى إليه الشكّ إلى حجم المواجهة المحتملة على أكثر من مستوى، سواء بين أهل البيت الواحد، أو بين الخصوم التقليديين.
وهو سيَظهر واضحاً عند اختيار الوزراء في بعض الدوائر الانتخابية التي من المحتمل أن تشهد مواجهات انتخابية قوية بين حلفاء وخصوم الأمس واليوم وحلفاء الحلفاء. ولم يتأخّر كُثُر عن الكشف عنها بلغة التهديد والوعيد بحروب إلغاء متنقّلة ستشهد تكراراً لبعض المشاهد الانتخابية التي واكبَت الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة.
على كلّ حال لا بدّ للمراقبين من أن يتوقّفوا مليّاً أمام المهمّة التي ستكلّف بها الحكومة الجديدة، أو تلك التي ستُختار من أجلها للوقوف على شكل المواجهة المتوقّعة في الأشهر التي تلي الانتخابات النيابية المقبلة لتظهرَ معالم العهد الجديد وما يمكن أن ينجزه، فهو لم ولن يعترف بأنّ هذه الحكومة هي حكومة العهد الأولى، ويصرّ بكثير من الصراحة على أنّها لإدارة المرحلة الانتقالية، وعليه سيكون من المبكر الحُكم على ما ستُنجزه. فما هو ثابت أنّ الوعود كثيرة لكن النتائج المنتظرة قد تحمل كثيراً من المفاجآت، فلنراقب وننتظر.