لماذا لغة الذبح، وكيف يُفسّرها الإسلام والقرآن والكتب السماوية؟ وهل مِن كتب وآيات وأحاديث في القرآن الكريم تُجيز ذبحَ الإنسان ونحرَه؟ وهل تصبح عبارة ذبح حلال المدموغة على عُلب المأكولات الغذائية ساريةً على البشر؟ وهل يصحّ تطبيقها على الإنسان؟! بمعنى آخر، هل سنقول يوماً هذا البشَري ذبحُه حرام وذاك حلال؟!
أمّا ما يقوله علماء الدين والفقه والمشايخ في لبنان، فمُتشابه إلى حدِّ ما، عدا بعض التفسيرات التي اختَلفت من حيث المواقع السياسية للبعض، والدينية والاجتماعية للبعض الآخر، وإنّما بالتأكيد ليست لاعتبارات دينية بحتة.
الشعّار: الديانات لا تقول بالذبح
مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار استغربَ السؤال مستنكِراً: «هل يُعقَل أن يتضمّن القرآن آيةً تُجيز ذبحَ الإنسان؟»، مؤكّداً أن «لا نصَّ في القرآن يدعو إلى الذبح، وكذلك بالنسبة إلى الأحاديث النبويّة الشريفة، فهي لم تُجِز للإنسان أن يذبح أخاه الإنسان أو أن يقتلَ الآخر، أو أن يدعو إلى القتل، أو أن يُمازحَه حتى بتوجيه السلاح إليه».
ورفضَ الشعّار تسمية «داعش» بالإسلام، مشيراً إلى أنّ «العالم لا يحتاج إلى توضيح، لأنّ العاقل يعلم أن لا ذبح في الديانات عموماً وفي الإسلام خصوصاً، وحتى لو كان الإنسان جاهلاً، فهو يعرف أنّ خالِقه لا يمكن أن يُحلّل في الديانات السماوية كلّها، المسلِمة والمسيحية واليهودية، آيات تقول «أيّها الإنسان لك أن تذبح وتقتل أخاك الإنسان. بالطبع لا يمكن». وأضاف: «إنّ الله كرَّم عبدَه الإنسان وجعله أفضل المخلوقات في الكون على الإطلاق، وجعَل «أنّ مَن قتلَ إنساناً بغير حقّ فإنّما قتَل الناس جميعاً.
وإنّ مَن قتلَ النفسَ البشرية المسلِمة وغيرَ المسلمة المؤمنة وغير المؤمنة، فكأنّما قتلَ الناس جميعاً، ومن أحياها كأنّه أحيا الناس جميعاً». ليس هناك إطلاقاً ما يعطي الإنسان مبرّراً ليعتدي على الآخر، ولا يحقّ لأحد أن يأخذ حقّه في يده إطلاقاً، إنّما الذي يقيم الحدّ وعقوبة القصاص هو الدولة ووليّ الأمر، وذلك عبر القضاء وإقامة الحكم». وأكّد أنّ «الإنسان الذي يَذبح أو يدعو إلى الذبح هو إنسان جاهل وعدوّ الإسلام».
جرادي
من جهته، الشيخ شفيق جرادي، وهو عالم دين شيعي، أوضحَ أنّ «التشريع الإسلامي في جزء كبير منه مَبنيّ على ما يُطلق عليه اسم «مرجعية العرف».
وهذا يَعني أننا لو كنّا في زمن الذهاب إلى الحجّ، فلا يمكن إلّا من خلال الحصان أو الجمل وما يطلق عليه دابّة الأرض، وتأتي الآية القرآنية لتقول من استطاع إليه سبيلاً، فهذا يعني أنّ الحجّ واجبٌ على من استطاع الذهاب ولديه وسيلة نقل إمّا جمل أو حصان أو ما يُطلق عليه دابّة الأرض.
لكن لنَفترض في هذا الزمن أنا لديّ حصان أو جمل ومبلغ من المال، ولكنّني غير قادر على الصعود في السيارة أو الطيارة، فهل يجب عليّ الحجّ؟ بالطبع لا، لأنّ العرف يقول إنّ وسيلة النقل المتاحة حاليّاً للذهاب إلى الحجّ تغيّرَت.
إذاً العرف يُغيّر الأمور والأحكام». أضاف: «عندما أتى الإسلام في الماضي في البيئة العربيّة، غلبَ على لغة التقاتل بين الناس والسيف والترس والفأس والرمح والسهام، وأتى الإسلام في سياق حضارة الرومان الذين كان لهم دور في الحروب، زِد على ذلك القصاص الذي كان الجانب الأهمّ فيه قائماً على قطعِ الرأس بالمِقصلة في القرون الوسطى والتي كانت من أبرز وسائل الاقتصاص والقتال حينذاك كان بالسيوف، وكان الضامن للربح هو ضرب الرأس للتأكّد من القضاء الحتمي على الخصم».
وتابع: «بعدها جاء القرآن ليقول: إذا أتى العدوّ ليقتلك، يمكنك الدفاع عن نفسك الى أقصى الحدود. لكن ما هي أقصى الحدود؟ هي أن يكون الضرب على الرأس. أمّا المعنى الحقيقي لضرب الرقاب، وهي آية تحضّ على القتال في حال فُرِض على الإنسان، فهي ليست تشريعاً. بمعنى أوضح: إستخدِم ما لديك للدفاع عن نفسك أثناء الحرب… هذا هو ضرب الرقاب، وليس كما يُفسّره البعض.
وإذا كان العُرف في القتال قد لحَظ الإمكانية الطبيعية لأن يضرب الإنسان خصمَه على رأسه ليؤكّد موتَه، فهو ليس تشريعاً، بل حضٌّ على القتال الشديد إذا فُرض عليه.
أمّا في السيرة، فالمرّة الوحيدة التي حُكِي فيها عن قطع الرقاب، هي عندما كان بعض أصحاب الفِتن من اليهود يوقّعون اتّفاقاً مع الرسول ثمّ نقضوه، فاقترح أحدهم على النبي أن يُخلي نساءَهم ويقتلَ الرجال حتى يثير الرعب فيهم فتُقطَع رؤوسهم، وقد تكون هذه الحالة الوحيدة التي حصلت أيام النبي محمد».
ليتساءَل جرادي: «هل التشريع هو الإتيان بحُكم غير موجود؟
1 – إذاً هذا ليس تشريعاً إنّما استخدام ما هو متعارَف عليه، وهو تعامُل طبيعي مع العُرف وليس حكماً شرعياً.
2 – لو فرضنا أنّه حُكمٌ شرعي فهو استثنائي وليس الأصل. لأنّ الأصل هو أن تعفوَ عن الناس، فالآية تقول «وإن تعفوا فخيرٌ لكم».
لنفترض أنّ النبي محمد كان يُجيز قطع الرؤوس وأنا أتكلّم الآن عن الطائفة الشيعية تحديداً، فأيّ عمل فيه توهيم في الدين، أي أن يُبرز صورةً سلبية عن الدين، لا يجوز العمل به. وعندما يَصل المسلم إلى ارتكاب مجازر بهذا المستوى من العنف، فهو يرتكب حراماً، لذلك لا نؤمن باستخدام السلاح النووي لأنّه حرام، والذي يحدث اليوم ليس حراماً فقط بل الكفر بعينه».
«كلّما أسَرت أسيراً اقتله»
وشدد جرادي على أنّ «قتلة الامام الحسين هم أسوأ خلق الله لأنّهم قطعوا الرؤوس وقطعوا رأس الإمام الحسين ومَن كان معه، وحُمِلت الرؤوس على الرماح، وصار هناك توهيم بهذا الحدث. ومنذ ايام النبي، يرفض الشيعة هذا الامر ويدينونه لأنّه يمسّنا، ونعتبر أنّ هذا الأسلوب استخدمَه أناس جاهلون وليس من الأخلاقيات الإسلامية.
لدينا رواية تقول إنّ الإمام علي عندما كان يريد دخول حرب، كان يُحدّد مَن يريد قتله، ولم يكن يقتل أيّاً كان، «لأنّ قلبَه كان يستشعر الرحمة على الناس». وهو لا يعمل بالسيف كيفما كان، إذ لا شيء في الدين أو في الفقه أو في القيَم الأخلاقية اسمُه «كلّما أسَرت أسيراً اقتله».
فهناك قوانين حتى في الإعدام، والشيعة لديهم «تشريع الأسر»، إذ لا يجوز قتل الأسير. ورواية النبي عند المسلمين السُنّة والشيعة تقول: «لا يجوز أن تمثِلوا ولو بالكلب العقور». بمعنى آخر لا يجوز تعذيبه والتنكيل به في الموت، فكيف إذا كان إنساناً بشَرياً؟».
ولفتَ جرادي إلى غياب أيّ «ضابطة دينية تمنع الذي يحصل اليوم»، مضيفاً، «وإنصافاً، حتى ولو اعتبرنا أنّ الدواعش هم مسلمون، وأنا أشكّ في الأمر، فإنّ الذين ذَبحوا عبر التاريخ ليسوا مسلمين فقط.
ففي المغرب وشمال أفريقيا ارتكبَ الفرنسيون المجازر وكانوا يبنون التصوينات من رؤوس الثوّار، وكذلك الهنود مع الأميركيّين فيما يتعلق بقطع الرؤوس وجلدة الرأس. أمّا ثقافة القتل العبثي في أفلام هوليوود وبرامجها فهي أوّل من علّمَ الناس طريقة بثّ الرعب في نفوس الآخرين».
دقماق: «جئتكم بالذبح»
رئيس جمعية «إقرأ» الإسلامية الشيخ بلال دقماق، اعتبر أنّ قضية ذبح الجنود وقطع الرؤوس أمرٌ غير مستحَبّ. وهو خلاف ما نفهمه من أحاديث النبي والآيات الكريمة كما في سورة التوبة (فإذا لقيتموا الذين كفروا فضرب الرقاب…).
وفسّر ذلك قائلاً إنّه لمّا مرَّ النبي محمد بكفّار قريش، غمزوه ببعض القول وفعلوا ذلك ثلاث مرّات، فوقف وقال: «إستمعوا يا معشر قريش، لقد جئتكم بالذبح»، والسبب في قوله ما لاقاه من الكفّار من شدّةٍ واعتداءٍ وقتلٍ لأتباعه تحت التعذيب.
أمّا بالنسبة إلى الذبح، فرأى دقماق أنّ ذبحَ الأسير المستحقّ للقتل بالسكّين كما تُذبَح الشاة، هو طريقة محرّمة وممنوعة شرعاً، وذلك لأسباب عدّة، أبرزُها منافاته للإحسان المأمور به شرعاً في القتل، كما قال النبي محمد «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القتل».
لذلك، أضاف دقماق: «القتل هو القتل، والقتل الذي مارسه النظام السوري باستعمال الكيماوي هو محرّم شرعاً، لأنه يُسبّب عذاباً وآلاماً للمقتول كما أنّه يقتل الناس بغير حقّ». وأضاف: «إنّ الإنسان حين يُذبح لا يشعر بالألم الذي يشعر به المقتول نتيجة الكيماوي، لأنه يتعذّب أكثر، بينما الإنسان الذي يُذبَح يشعر بألم لثوانٍ قليلة ويموت سريعاً بلا عذاب»!
خليفة
بدوره، رفضَ المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة أن «يقترن اسم الإسلام بهذا العمل الإجرامي»، مشدّداً على أنّ «فِعل الذبح لا أصلَ له في الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، والإسلام لا يرفض هذا العمل فقط، بل يدينه ويُحرّم صاحبَه ويعاقبه، ويعتبره مجرماً ارتكبَ جرماً مخالفاً للشريعة والقانون والأصول».
ولفتَ إلى أنّه «حتى في حال أخذ قرار الإعدام بجرمٍ ارتكبَه صاحبُه، لا يُقتل الإنسان في الإسلام إلّا في حالات محدّدة جداً، وعلى رأسها أن يكون قاتلاً! وحتى هذا الأمر لا يُقرّره إلّا الحاكم المسلم الذي أجمَعَت الأمّة على عقله وحكمِه وعلمِه، والمشورة من أهل الرأي والقانونيّين ورجال الدين. فالقضية ليست مزاجيةَ فردٍ يُنصِّبُ نفسَه أميراً من هنا أو من هناك، أو مفتياً من هنا أو من هناك.
وبالتالي لا يوجد في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية الشريفة ما يشير لا من قريب ولا من بعيد الى هذه الجريمة (الذبح)، وإذا ذكرنا أنّ هناك شيئاً اسمُه ذبح فهو فقط للأغنام، وحتى في هذه الحال قال النبي محمد: «أريحوا الذبيحة وحُدّوا السكّين» لكي لا توجعوها، فإذا كان المطلوب من الانسان أن يكون إنسانياً مع الحيوان، كيف به مع البشر؟».
فهذا يدلّ على اضطراب عقليّ ومرَض نفسيّ وخَلل في العِلم والمعرفة. أما العوامل المتناقضة التي توصل الإنسان الى هذا الحدّ من الإجرام فهي: الجهل بالدين وعدم أخذِ العِلم الشرعي من مصادره المعتمَدة، وعدم معرفة روح الإسلام وحقيقته».
في النهاية، نرى أنّ ظاهرة الذبح الداعشية لا يلزمها فقط جيوش التحالف للقضاء عليها إنّما يلزمها نشر ايديولوجية مسلمة مهادنة مسالمة معاكسة لفتاويها الملفّقة المعقّدة والمسيّسة تُبدّل صورة الإسلام الأوّلية التي يستغلّها البعض ويُستند إليها تحت شعار أنّ الإسلام انتَشر بحدّ السيف وبالصورة الحالية التي طبعتها «داعش» في عقول الأجيال الطالعة.
والحقيقة أنّ محاربتها تكمن أيضاً في إسكات الأصوات المؤيّدة والمفتنة والمفتية من على منابر بيوت الله، لأنّ الأنسان بطبعه ميّال إلى الشر أكثر من الخير…ولأنّ الكلمة هي أيضاً… تذبح.