أكثر من 80% من المسالخ في لبنان لا يتوافر فيها طبيب بيطري. حوالى 87% من المسالخ يعمل فيها أشخاص غير حاصلين على شهادات صحية. 10% من مسالخ اللحوم أقفلت بشكل تام فيما تم توجيه إنذارات الى 72% من مسالخ الدجاج لتسوية أوضاعها غير المطابقة للشروط الصحية. باختصار، هذا ما توصل إليه حتى الآن المسح الشامل الذي تقوم به وزارة الصحة على المزارع والمسالخ والملاحم في بيروت والمناطق.
أجرت وزارة الصحة العامة مسحاً لأكثر من 80 مسلخاً في لبنان (مسالخ دجاج ولحوم ومزارع وملاحم وشركات خاصة) ضمن حملة «سلامة الغذاء» التي تقوم بها الوزارة. هذا المسح لا يعدّ مسحاً «شاملاً» و»نهائياً» لجميع الاماكن التي تُستخدم كمسالخ في لبنان، «بل هو عبارة عن نتائج وتقارير تصدر تباعاً»، وفق ما تؤكد مصادر الوزارة لـ»الأخبار»، التي تشير الى «إمكانية وجود مسالخ أخرى لا تعلم بها الوزارة»، علماً بأن هذا المسح غير الكامل كاف لكشف حجم الانتهاكات الحاصلة لصحة المقيمين في لبنان وسلامتهم.
النتائج والإجراءات
من بين 66 مسلخاً مخصصاً للحوم الحمراء تم إقفال 7 مسالخ منها فقط بشكل تام، فيما أقفل 25 مسلخاً بشكل مؤقت إلى حين تأمين الشروط الصحية اللازمة. وتم توجيه إنذارات الى 30 منها (حوالى نصفها)، في حين سجّل لأربعة مسالخ فقط أنها جاءت مطابقة، من ضمنها مسلخا النبطية وصور اللذان وُصفت أوضاعهما بالـ»جيد جداً»، في حين أن المسلخين المتبقيين كانا في منطقة الشويفات (مسلخ حرقوص ومزرعة سليمان).
لم يسجل إقفال تام لأي مسلخ دجاج، حيث تم إقفال 7 منها فقط بشكل مؤقت إلى حين توافر الشروط الصحية، فيما بلغ عدد مسالخ الدجاج التي «أُنذرت» (تم توجيه إنذارات لها) 18 مسلخاً.
التقارير التي أرفقت بهذا المسح تُظهر أن أكثر من 90% من هذه المسالخ «غير مرخّصة»؛ ففي قضاء زغرتا مثلاً تم الكشف على 7 مسالخ استدعت جميعها إنذرات بـ»ضرورة الاستحصال على رخصة للاستثمار وتعيين طبيب بيطري»، علماً بأن 80% من المسالخ التي جرى الكشف عليها في كل لبنان لا يتوافر فيها طبيب بيطري، فضلاً عن أن حوالى 87% منها غير حاصلة على شهادات صحية للعاملين فيها.
الجدير ذكره أن المعطيات لدى وزارة الزراعة تشير الى وجود 40 مسلخاً فقط (تعرف الوزارة بوجودها)، وذلك بحسب مسح أجرته الوزارة عام 2013، ومن بين هذه المسالخ واحد فقط مرخّص. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ بوضوح على حجم الفساد والتواطؤ والإهمال والفوضى وسموّ المصالح الشخصية على المصلحة العامة، إذ كيف يمكن تبرير أن وزارة الزراعة، وهي الوصية على المسالخ، لا «تعرف» بالكثير من المؤسسات التي يجري فيها الذبح (مزارع وملاحم وغيرها).
تشير مصادر وزارة الصحة
الى «إمكانية وجود مسالخ
أخرى لا تعلم بها»
في منطقة الكورة مثلاً، من أصل تسعة مسالخ، تم توجيه إنذارات الى سبعة منها لأنها «غير مرخّصة وغير مستحصلة على بطاقات صحية للعاملين فيها، فيما أظهر الكشف أن جميع مزارع الدجاج في قضاء بعبدا تم توجيه إنذارات اليها لأنها غير مرخّصة ولا يوجد شهادات صحية للعاملين فيها ولا وجود لطبيب بيطري (جميعها في منطقة القبيع). كذلك في عكار، فعلى الرغم من أن المسح أظهر أن وضع مسالخ اللحمة الموجودة (عددها 3) «مقبول»، تلقت إنذارات تتعلّق بعدم الحصول على شهادات صحية للعمال وعدم حيازتها الرخص. واللافت أن من بين 44 ملحمة، اثنتين فقط وضعهما وصف بالجيد، فيما تلقّت 42 ملحمة إنذارات لأنها غير حاصلة على شهادات صحية وغير مرخّصة. وفي الشويفات تم جرد 14 مسلخاً، وقام المراقبون بوضع علامة على 20 لكل منها، فجاءت النتيجة أن 8 حصلت على علامة دون 10، وجرى إقفال 7 مسالخ، واحد منها بشكل تام. وفي النبطية تم الكشف على 5 مسالخ، وجرى إقفال اثنين منها.
مسلخ بيروت
في ما يتعلّق بـ»ملف مسلخ بيروت المستقّل»، على حدّ تعبير وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور الذي طلب، أول من أمس، تدخل القضاء لملاحقة المعنيين فيه، بعدما تبين أن الإهمال المتراكم أودى بحياة «19 عاملاً كانوا يعملون في المسلخ»، تؤكد مصادر الوزارة أن الملف لم يحل على القضاء بعد، لافتةً الى أن ما قام به أبو فاعور خلال مؤتمره الصحافي هو بمثابة «إخبار للقضاء كي يتحرّك»، موضحة «سعي الوزارة الى استكمال المسار القضائي في هذا الملف».
إعلان أبو فاعور وفاة عاملين في المسلخ بسبب إصابتهم بمرض السرطان، أثار الكثير من ردود الأفعال على المستوى الشعبي كذلك على المستوى السياسي، حيث شكلت وزارة العمل، أمس، لجنة من الأطباء المتخصصين في جهازها الفني لإجراء التحقيق في حالات إصابة عدد من الأجراء العاملين في مسلخ بيروت بمرض السرطان، «ذلك أن هذه القضية تدخل في صلب صلاحيات وزارة العمل، لكون الحالات المشار إليها، في حال ثبوت السبب المهني، تندرج تحت عنوان «السلامة المهنية». وركّز أبو فاعور أول من أمس على ضرورة محاسبة المدير والموظّف الذي أخفى التقارير الطبية والفنية عن بلدية بيروت.
أين الرؤوس الكبيرة؟
الجدير ذكره أنه بالعودة الى قيود وسجلات مصلحة المسالخ في بلدية بيروت تبين وجود 12 كتاباً موجهاً الى المجلس البلدي تتعلّق بتأهيل جميع المنشآت في مسلخ بيروت المؤقت منذ عام 2008 الى عام 20012. كذلك فإن مدير المصلحة جوزف منعم (الموظف المعني) كان قد وجّه كتباً الى محافظ مدينة بيروت السابق ناصيف قالوش تحت إشعار «لطفاً عاجل»، في 5/10/2008 يطالبه بالكشف على صالتي المسلخ وتنفيذ أعمال الترميم «بالسرعة القصوى»، ويلفت الكتاب الى «أن معظم الألواح التي تغطي صالتي الذبح أصيبت بالصدأ والاهتراء وأصبحت تشكل خطراً على السلامة العامة، فضلاً عن كتاب موجّه الى المحافظ في 23/9/2009 تطالب فيه دائرة المصلحة بمعالجة فيضان نهر بيروت على المسلخ وما يحمله هذا الفيضان من أوساخ تدخل الى داخل المسلخ.
يُذكر أن هناك قراراً صادراً عن رئاسة مجلس الوزراء في تموز 2014 يطلب من البلدية إعادة التأهيل وترميم المسلخ وصيانته.
تخشى مصادر في محافظة بلدية بيروت أن تتم تسوية هذا الملف إذا ما جرى السير فيه بالشكل القضائي المعلن عنه، على حساب «موظف لا يملك صلاحيات أوسع من تلك التي اتخذها، فيما يتم تجاهل ملاحقة المعنيين مباشرة في هذا الملف والمسؤولين بشكل مباشر عنه». وفيما تؤكد مصادر أبو فاعور السعي الجدي في الملاحقات الجزائية، تشكك المصادر في إمكانية الوصول الى أي نتيجة، ذلك «أن القوى السياسية النافذة ستحمي حتماً أزلامها الذين لم يكونوا ليتصرفوا على هذا النحو الكارثي لولا تلك الحماية». الملاحقة القضائية ستستدعي إذاً مواجهة جهات «نافذة»، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى زيادة الضغوط على أبو فاعور».
مصادر في بلدية بيروت تؤكد عدم دقة لائحة أسماء العمال التي استند اليها أبو فاعور عندما أعلن أن معظمهم توفوا بسبب إصابتهم بمرض السرطان. وتعطي أمثلة عن بعض الأسماء الموجودة في اللائحة، مصطفى محمود المصطفى مثلاً (الرقم المالي 4402) ترك العمل في المسلخ منذ عام 1999، كذلك مرعي سعدين المرعي (4439) لم يلتحق بالمسلخ المؤقت. أما عفيف الحاج عساف (4125) فهو مريض قبل إنشاء المسلخ، وتضيف أنه في القائمة يرد اسم عمر الشحادة وهو يحمل الرقم المالي (4298) «هذا الرقم غير موجود في كل القيود».