لن تكون الجريمة الإرهابية التي هزّت فرنسا والعالم الحر العملية الأخيرة في أوروبا، كما لن تكون الجريمة الإرهابية ضد جبل محسن الحلقة الأخيرة في مسلسل التفجيرات في مناطق لبنانية مختلفة.
لن تتأخر فرنسا وحلفاؤها في اتخاذ إجراءات قاسية لسد أي ثغرة قد يستفيد الإرهابيون منها لتوجيه ضربة جديدة، ولن يكون هناك تردّد في إعادة النظر في الإستراتيجيات الغربية لمكافحة الإرهاب. لكن لبنان كان أسرع في المبادرة الى سد الثغرة هذه المرّة.
منذ مدة طويلة كشفت تقارير موثقة وسرّية من النيابة العامة العسكرية بأن التحقيقات في تفجيرات «دو روي» وضهر البيدر والطيونة أثبتت حصول إتصالات بين المشتبه بهم وبعض الإسلاميين الموقوفين في سجن روميه.
لكن أحداً من المسؤولين السياسيين لم يجرؤ على التصدي لنزلاء المبنى (ب) حيث كان الموقوفون كسروا وخلعوا أبوابه الداخلية وحولوا قسماً منه غرفة عمليات للتواصل هاتفياً وعبر الإنترنت مع شبكات إرهابية داخل لبنان وخارجه، حتى ان «ابو الوليد» كان أرسل الى وزارة الداخلية في فترة خطف الراهبات كتاباً من مكان سجنه، يعرض فيه التوسط لدى الخاطفين في سوريا.
حصل التفجير الإرهابي في جبل محسن. سجّل تواصل بين المتورطين وبعض الموقوفين في روميه. لم يعودوا مجرّد موقوفين، بل بيّنت تحقيقات رسمية أن «جند الشام» و«فتح الإسلام» تحولوا الى «جبهة النصرة»، ثم الى «داعش»، وهم يشكلون تنظيماً إرهابياً داخل السجن.
أمام هذه المعطيات بادر وزير الداخلية نهاد المشنوق الى اتخاذ قرار جريء بإنهاء هذه الحال الشاذة، لأن الموضوع لم يَعُد مسألة سجن وموقوفين وإنما أصبح قضية أمن وإرهاب.
لم يستأذن أحداً. إحتفظ بعنصر المفاجأة. حتى القضاء لم يعرف ساعة الصفر لعملية الدخول الى الطابق الثالث من «المبنى ب « إلاّ قبل ثلاث ساعات. أراد أن «يحملها» وحده، وهو السنّي إبن بيروت، ولا يخشى أن يُزايد عليه أحد في سنّيته وعصبيته.
نجحت قوى الأمن في تنفيذ القرار. حقّقت إنجازاً نوعياً من شأنه أن يُنهي تهديدات «فتح الإسلام» لحراس الأمن وعائلاتهم وسائر المسجونين. أزالت المخاوف التي كانت تحول دون لجم إعتداءات الموقوفين المتكررة على قوى الأمن والسجناء.
أما في ما يتعلق بإتصالات الشبكات الإرهابية، فإنه من المبكر الجزم بانقطاعها لفترة طويلة، لأن الأجهزة التي استخدمت أمس لقطع الإرسال عن الموقوفين لم تعط النتيجة المطلوبة، إذ انهم تمكنوا من إرسال مقاطع فيديو ورسائل نصيّة الى وسائل إعلامية.
صحيح إن الموقوفين فقدوا هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر بعد نقلهم الى المبنى الجديد، لكن الأيام المقبلة هي التي ستكشف ما اذا كانوا سيحصلون على غيرها عن طريق التهريب.
واستكمالاً لهذا الإنجاز الأمني، سيصبح في متناول رجال الأمن سوق الموقوفين الى الجلسات بعد تمنّعهم لأشهر، كما أن المجلس العدلي سيُعيّن محامين بواسطة النقابة لمن يمتنع محاميه عن الحضور، في مسعى لتسريع المحاكمات التي أنجز نحو 85 في المئة من ملفاتها.
ما شهدناه جولة في معركة قاسية مع الإرهاب، يتوقع أن تطول سنوات، حسب خطط الغرب الإستراتيجية، لكن السؤال هو كيف سيردّ الإرهابيون على عملية رومية؟