كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن حجم الخلايا النائمة وخطورتها في عاصمة الشمال، والتي قد تؤدّي الى تدهور خطير على الساحة اللبنانية عموماً والشمالية خصوصاً. ومن السيناريوهات التي يتداولها البعض لجوء مجموعات «داعشية» لتأمين ممرّ بحريّ من إحدى خواصر لبنان الضعيفة، المتمثلة ببوّابته الشمالية في طرابلس. وفي المقلب الآخر للمدينة، تبرز خليّة المولوي – منصور، المضخّمة ربما على الساحة الميدانية الشمالية، فهل هي بهذه الخطورة فعلاً أم هي فقط لإلهاء الجيش وحَرف أنظاره عن الخلايا الأساسية الأخطر، التي تنتظر ساعة الصفر لتحرّكها؟
من أهمّ الإشارات التي رجّحَت انفلاش هذه الخلايا النائمة في وقت ليس ببعيد، كانت التدهور الأمني والأحداث المتتالية التي تتواصَل يومياً في عاصمة الشمال، والتي تكاثرت وليس العكس، إضافة الى عوامل عدة، منها:
1 – حجم المجموعات المتطرّفة في بعض المناطق الشمالية وقدرتها على التواصل مع مجموعات جرد عرسال والقلمون السوري التي تحلم بإيجاد ممرّ آمن لها عبر البحر، وهذا الممرّ الآمن لا يمكن أن يكون إلّا عبر بوّابة الشمال، بعدما أقفلت احتمالات الشاطئ السوري في وجهها.
2 – الجيش اللبناني والمراهنة الشمالية الهَشّة على مدى جهوزيته للتصدي لأيّ انفلات أمني في الشمال في هذه الظروف الحرجة التي تتطلّب منه انتشاراً كثيفاً ونوعياً على جبهات البقاع والجنوب، اللذين يشكّلان أيضاً خواصر ضعيفة تحتاج حراسة وحماية، وأيّ انفلات أمني قد تلجأ اليه هذه الخلايا الداعشية النائمة على امتداد الرقعة الشمالية في ظلّ إمكانات الجيش العسكرية اليوم سيُعزّز فرضية لجوء تلك المجموعات الى تسلّل شمالي بحري آمن.
3 – إفتقاد الجيش في منطقة الشمال، وطرابلس تحديداً، لإجماع شعبي على دوره الذي تعتبر المجموعات السلفية غير الداعشية، في الشكل إنما في المضمون، أنّه لا يُؤدّي دوره بتجرّد، وتتهمه دوماً بالانحياز في مواجهاته مع المجموعات السنية المتطرّفة.
«النصرة» متكتّمة
4 – المعلومات الخاصة بـ«الجمهورية» التي أفادت أنّ «جبهة النصرة» طالبت منذ يومين توكيل «أمير طرابلس» بخَلق حالة أخرى مماثلة في عكار، علماً أنّ تحريك هذه الحالات يحدث سرياً ومن دون أيّ جلبة في انتظار «يوم الدين» أو يوم الغزو، علماً ايضاً أنّ «جبهة النصرة» تعمل بكثير من التكتم، على عكس «داعش»، وتنفّذ عملياتها بدقة عالية. بمعنى آخر، إذا أرادت «النصرة» السيطرة على طرابلس فستفعلها ليلاً والناس نيام، ليستيقظوا ويَجدوا «النصرة» مسيطرة على الأرض.
خطاب تصعيدي
ومن أبرز الاشارات أيضاً، التصريحات الاخيرة للقادة السنّة المتطرفين، واعتمادهم اللهجة التصعيدية التي يتكلّم بها أمراؤهم، وليس آخرهم الشهير شادي المولوي، بعدما راهن أخيراً على أنّ معركة قريبة ستُشعِل طرابلس وتُغيّر معادلات الشمال، ليسأل البعض عن الجهة الداعمة التي تسمح له اليوم برَفع السقف، بعدما طلب منه القادة الذين واكبوا عودته الى الساحة بالانسحاب منها مجدداً، إلّا أنّ المولوي أصرّ على البقاء ورفض الهروب براً أو بحراً حتى الساعة.
5 – تصريح قائد الجيش العماد جان قهوجي عن وجود خلايا نائمة في عاصمة الشمال، وتحذيره من إمكانية ظهورها وتحرّكها في أيّ لحظة، مؤكّداً استعداده وعزمه على فتح معركة عسكرية للَجمها، ممّا دَفعَ المراقبين الى التساؤل: هل ستبدأ تلك المعركة بعد تأمين الممرّ البحري لمجموعات داعشية تسانِد تلك الخلايا النائمة بالعديد والعتاد؟ ومَن يكون «داعش» الشمال؟ فهل اسم المولوي مرشّح لترؤس تلك المجموعات وقياداتها أم انّ هناك «داعش» آخر للبنان؟
أمّا في حال انفلات الوضع على غفلة في طرابلس وضواحيها، وتحقّق أخطر الاحتمالات بتأمين المَسرب البحري الآمن الى المجموعات الداعشية لاجتياح طرابلس وتمّ مساعدتها من الداخل، فسيكون السؤال: «هل تجد الحكومة نفسها مرغمة على الاستنجاد بخيارَين أولّهما مرّ وثانيهما أمرّ، لمَنع الامتداد الداعشي ومنع انهيار الشمال؟
هل تنضمّ الى التحالف الدولي وتستنجد به او بطيران النظام السوري لعِلم الجميع بغياب قدرة الجيش الجوية والمحظور عليه تعزيزها حتى الساعة لأسباب معلومة؟ فيما لن يستنجد حتماً بسلاح «حزب الله» لأنّ الاخير ليس في وارد ترشيح نفسه لمهمة قد تجعل الشمال كله في مواجهة معه.
تقول المعلومات إنّ الخلايا النائمة في مختلف المناطق اللبنانية ستتسلّل، إنما الهجوم الاساسي سيبدأ من طرابلس لينطلقوا منها الى الارض، فيما لن تستطيع المنطقة العلوية، المناهضة لهم، الصمود، لأسباب كثيرة ولغياب قادتها. وأبرز رموز تلك الخلايا، هم: شادي المولوي، الشيخ عمر بكري فستق (موقوف)، أسامة منصور، وغيرهم.
فستق من مواليد سوريا حلب، أوقف في الولايات المتحدة الأميركية عام 2004 على خلفية أحداث أمنية عدة، وتصريحات مؤيّدة لأسامة بن لادن. السلطات البريطانية طالبت باسترجاعه وبمحاكمته على أرضها نظراً لاستحصاله على جنسية بريطانية، وكان لها ما أرادت… لتُسلّمه اميركا عام 2004. اشتبه البريطانيون بدور له في تفجيرات لندن (تموز 2005) وبانتمائه الى السلفية الاسلامية المتشددة، إلّا أنهم افرجوا عنه في آب 2005، ليبقى السؤال والسر الكبير: لماذا أفرَجت السلطات البريطانية عنه وكيف؟
والجدير ذكره أنّ فستق أسّس في التسعينات تنظيماً جديداً في السعودية أطلق عليه اسم «المهاجرون»، فأوقف في جدة عام 1984، وفي الرياض عام 1985. انشقَّ فستق عن حزب «التحرير الاسلامي» عام 1996 فيما بقيَ أميراً على تنظيم المهاجرين، وقد أطلق وأرسل الى لبنان عام 2004 عندما كان على وشك إعلان الدولة الاسلامية. وتقول المعلومات إنّه، ومنذ ذلك الوقت، يعمل في لبنان ويسعى الى اعلان تلك الدولة.
شادي المولوي
في المقلب الآخر، يطلّ نجم الشاشة الشمالية السنيّة شادي المولوي بدعم يذكره جيداً جميع اللبنانيين، وهو اليوم بدأ بتطبيق الشريعة الإسلامية في اسواق طرابلس ليَغدو المطلوب رقم واحد! وهو في نظر أتباعه أمير الشمال بعدما كثرت الاحاديث عن تنصيب نفسه اميراً عليها!
من 35 إلى 100
في المنطقة الخاضعة للأمن الذاتي داخل سوق الخضار في منطقة التبانة، شكّل المولوي مجموعة مكوّنة من 35 شاباً تخضع لقيادة أسامة منصور، وإلى هذه النقطة بالتحديد انتقل المولوي أخيراً لتطبيق الشريعة الإسلامية في «الإمارة».
وهؤلاء الشبّان الذين أعلنوا مجاهرة ولاءهم لـ»جبهة النصرة»، يسعون على ما يبدو إلى تطبيق ولاية الأمير بعدما رفض المشاركة في عروض متتالية خارج المدينة، والتي نظّمها عدد من المطلوبين من ضمن الخطة الامنية الشهيرة.
المولوي مُتمركز داخل مصلّى «عبدالله بن مسعود»، داخل سوق الخضار مع مجموعته، وهم يسعون إلى توسيع نطاق سيطرتهم لبضع مئات الامتار الإضافية داخل السوق، حيث يوزّعون عناصر لضمان حمايتهم. وهو يتنقّل الآن بكثير من الحذر خوفاً من أي عملية عسكرية مباغتة للقبض عليه، خصوصاً بعدما أصبح المطلوب رقم واحد في المدينة، وذلك بعد إعلان قائد الجيش اكتشاف خلية إرهابية داخل طرابلس.
مواقف قيادة الجيش تدفع المولوي إلى أخذ مزيد من الاحتياطات، لكنها لم تؤثّر كثيراً في مشروعه. وهو حصل على ضمانات من ناشطين سياسيين بأنه لا يمكن التعرّض له طالما أنه موجود داخل المربّع الأمني «لغليان الدم السنّي».
وهذه التطمينات أطلقت العنان للمولوي ومنصور اللذين بدأا تطبيق الشريعة الإسلامية، مدعومَين من «جبهة النصرة»، فكان آخر ضحايا إمارة المولوي مراهقاً حاول سرقة بعض الخضار من السوق، فأمر المولوي ببَتر يده. لكن بعد إهانة والده الذي جاء إلى المولوي متوسّلاً إيّاه الصفح عن إبنه، تمّ تخفيف القصاص وإجبار الولد على أن يعمل خادماً لديه، بصفته الأمير، على مدى أربعين يوماً.
وتشير المعلومات إلى أنّ مجموعة المولوي تضمّ ما يقرب 100 شخص مدرّبين في سوريا على يد «جبهة النصرة»، وتُعدّ خليته أهم خلية إرهابية في طرابلس.
ليل 13 تشرين وغموضه!
مصادر خاصة أفادت «الجمهورية» أنّ هناك طريقتين للتعامل مع الوضع المستجِدّ في طرابلس، إمّا عبر عملية خاصة لفرع المعلومات نظراً لحساسية بعض أبناء التبانة تجاه الجيش، أو عبر إغواء المولوي ومنصور إلى خارج سوق الخضار من اجل القبض عليهما.
الوضع حتى الساعة غامض كغموض ليل 13 تشرين!، على رغم استمرار مساعي القادة الأمنيين وفاعليات طرابلسية لحَضّ المولوي واتباعه على المغادرة مع تأكيدات بضمان سلامتهم، إلّا أن المعلومات حتى ساعة متأخرة من الليل أفادت أنّ المساعي باءت بالفشل لأنّ المولوي يرفض المغادرة، وأعلن أنه مستعدّ للمواجهة وسيفتح الجبهة بنفسه ويدير العمليات ضد الجيش شخصيّاً.
وفي المقابل، قالت أوساط متابعة لـ»الجمهورية» إنه من المحتمل تطبيق سيناريو علي عيد، نفسه، مع المولوي على قاعدة المعاملة بالمثل، منعاً للمواجهة الإسلامية، على أن يغادر الأراضي اللبنانية عبر مرفأ طرابلس إلى تركيا ليعود من بعدها براً من سوريا إلى لبنان. وأضافت المعلومات نفسها أنّ المولوي وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يتّخذ قراره النهائي في انتظار قرار أمير «جبهة النصرة» في سوريا ابو محمد الجولاني.
فهل يتمكن المفاوضون من الضغط عليه لتغيير رأيه في الليل وتجنيب الشمال حمّام دم تُعرَف بدايته لكن لا تعرف نهايته؟ وهل ينجح الحلّ السياسي أو يبدأ الجيش الحسم قريباً مثلما توعّد؟