لا يزال رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من أكثر السياسيين اللبنانيين دقةً في قراءة المشهد اللبناني ومعرفة التوازنات، فهو وإن كان يُطلق التصاريح النارية إلا أنه يتصرّف على الأرض وفق متطلبات المرحلة.
منذ أشهر، وعندما طُرحت على جنبلاط مسألة إسقاط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإطلاق معركة رحيله من بعبدا كان جواب زعيم المختارة واضحاً وهو: لن أقدم على مثل هكذا معركة إلا بعد أخذ الغطاء المسيحي من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والقوى المسيحية ولا أريد تكرار تجربة ما بعد 2005.
وبالفعل لم يُرفع الغطاء المسيحي عن العماد عون، فلكل طرف حساباته، لكن اللافت أن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي يُصنف نفسه أنه “ممانع” مسيحي دعا خلال مقابلته الأخيرة إلى استقالة عون، علماً ان الرجلين ينتميان إلى المحور السياسي نفسه.
ربما عبّر فرنجية عما يدور في خاطر غالبية الشعب اللبناني التي ترغب باستقالة عون ورحيل كل المنظومة الحاكمة، لكن من يتابع الحراك السياسي يدرك جيداً أن موقف فرنجية هو إعلامي بامتياز وليس سياسياً، فهو يُعبّر عن رغبته الشخصية بعدما وصل الخلاف مع عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل إلى الذروة.
وينطلق فرنجية من مقاربته لاستقالة عون من شعار “قوم تا إقعد مطرحك”، خصوصاً أن هناك موانع كثيرة تقف اليوم ضدّ هذه الخطوة، وهذه الموانع تلخّص بالآتي:
أولاً: لا توجد قوة دفع خارجية لإسقاط عون، لأن كل الدول الفاعلة مشغولة بمشاكلها الداخلية وأزماتها، وهي تطمح إلى تأليف حكومة إختصاصيين مستقلة تحقّق الإصلاح المنشود ولا تهدف إلى إسقاط كل “سيبة” الحكم.
ثانياً: لا يوجد حراك شعبي فعال يوجّه الشارع باتجاه قصر بعبدا لأن الأحزاب الأساسية لا ترغب بذلك الآن، كما أنّ المعارضة المدنية منقسمة على ذاتها ولا توجد قيادة موحّدة تدرس خطواتها، وهذا ما قاله أصلاً فرنجية في مقابلته الأخيرة.
ثالثاً: غاب عن بال فرنجية أمر مهم للغاية وهو أن “حزب الله” ومن خلفه الرئيس السوري بشار الأسد والنظام الإيراني يرفضون بالمطلق إستقالة عون، وقد زادت هذه القناعة بعد فرض عقوبات على باسيل حيث إن عون يعتبر من أبرز رموز هذا المحور، وهذه القوى رفضت إنتخاب فرنجية بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيحه، فكيف ستقبل بالتخلي عن عون في هذا الظرف العصيب؟
رابعاً: لا يوجد موقف مسيحي جامع مع إسقاط عون، فالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي خرج بعد إجتماعه الأخير مع عون مطالباً بوقف الحملات عليه، كما أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أيّد إستقالة عون مع إسقاط المنظومة الحاكمة، أي إن موقف معراب هو إجراء إنتخابات نيابية مبكرة من ثمّ الذهاب إلى إنتخابات رئاسية مبكرة وليس العكس، وهذا الموقف القواتي ينبع من حرص القيادة على عدم مجيء الأكثرية النيابية برئيس شبيه بعون، أي فرنجية ضمناً.
خامساً: في حال سقط عون قبل ولايته أو أكملها، فان فرنجية لا يتمتّع بدعم القوتين المسيحيتين الأكبر أي “القوات” و”التيار الوطني الحرّ”، وإذا تغير حجم الكتل في الإنتخابات، فبالطبع فان فرنجية لن ينال تأييد المستقلين لأنه كان جزءاً لا يتجزأ من سلطة الإحتلال السوري ومن السلطة التي ينادي الشعب باسقاطها.
وأمام كل التصعيد الذي قاده فرنجية، يبدو أن الأفق مسدود أمامه، فلا توجد أي قوة داخلية أو خارجية تدفع باتجاه إسقاط عون، كما أن أمله بالرئاسة تبخّر مع العقوبات الأميركية والتغير في سياسة المنطقة ونبض الشارع الذي لن يرضى برئيس من صلب 8 آذار ومرتبط إرتباطاً عضوياً بـ”حزب الله” والأسد، خصوصاً ان الشعب اللبناني ينتظر الإنتخابات النيابية والرئاسية ليبدأ رحلة التغيير لأن اختيار الرئيس الجديد من محور “الممانعة” سيقضي على كل أمل بقيامة لبنان من جديد.