رغم دخول البلاد والعباد مدار الهدنة “الاسرائيلية” – الايرانية المباشرة، بين حدين رسمتهما الولايات المتحدة الاميركية، الا ان الوقائع على الارض وفي الكواليس توحي بعكس ذلك لبنانيا. جنوبا تصعيد غير مسبوق في اطار الرد والرد على الرد، وسط سقوط عشرات الضحايا من شهداء وجرحى واتساع رقعة الاستهداف، وهو ما انشغلت به الاوساط السياسية، التي كثفت من اتصالاتها مع عواصم القرار، حيث الجواب واضح لا احد يمكنه ضمان عدم تطور الاوضاع رغم كل الضغوط التي تبذل، والمعطيات من ان الايام الفاصلة عن شهر حزيران ستكون صعبة ودقيقة.
اما في سياسة الداخل، فان الامور ليست بافضل حال، في ظل التشنج الطائفي الذي عاد يطل برأسه من جديد، من ردود فعل على ما يحصل من احداث امنية ابطالها سوريون، والمخاوف من ان تشكل تلك الحوادث المتنقلة كرة ثلج، تعيد الواقع في الشارع المسيحي الى ما كان قائما عليه قبل جلسات بكركي، حيث ثمة من يحاول استغلال الحملات على خط البياضة – معراب لاقفال طاقة الفرج التي توسم منها المسيحيون خيرا للخروج من واقعهم المتهور، خصوصا بعد انهيار التحالف بين “التيار الوطني الحر” وحزب الله، وبالتالي سقوط المظلة المسيحية التي كانت موجودة عام 2006.
فاذا صدقت النوايا والمعطيات المتوافرة عن النقاشات التي تشهدها كواليس بكركي بين الاطراف المسيحية المختلفة والخارج ، والتي تتقاطع كلّها وبإقرارٍ الاطراف جميعا عند نقطة على إلزامية تحقيق تقدّم جدي، في طريق الاعلان عن وثيقة موحدة ترعى الخطوط العامة للاستراتيجية المسيحية في خوض الاستحقاقات المسيحية والتموضع الجديد، يُفترض بهذا الواقع الجديد ان يكسر المراوحة السلبية التي تطبع الاستحقاق الرئاسي منذ أشهر، وفقا لمصادر مواكبة.
وتابعت المصادر بأن تواصل رئيس “تيار المردة” مع الصرح البطريركي بعيد لقائه سفراء “خماسية” باريس في بنشعي، وما ادلى به من مواقف، يشير إلى رغبة الاخير الضمنية بالعودة الى الطاولة، شرط ان لا تكون غايتها اقصاءه، بعدما التقط عددا من الإشارات غير المشجعة، من وعكة السفير السعودي الى برودة السفيرة الاميركية، وهو ما حتم عليه إعادة النظر في تموضعه المسيحي، خصوصا ان المقربين من بنشعي غير مرتاحين للمسار العام للمعركة.
وختمت المصادر بأن أجواء “الخماسية” غير مشجعة، وان لغم طاولة الحوار التي يفرضها ابو مصطفى انفجر في مساعيها، رغم توصلها الى وضع ورقة القواسم المشتركة بين الاطراف، ما يعني عمليا تعليق حركتها، وفتح الباب امام العودة القطرية والفرنسية المنفصلة الى الملف، الذي سيبقى في دائرة المراوحة الى حين اتضاح التوازنات الجديدة بين محور الممانعة وواشنطن، والتي محطتها القادمة الأكثر ترجيحات عملية رفح.
اذا الى مرحلة جديدة ينتقل الملف الرئاسي، ما يرفع تلقائيا من حظوظ الخيار الثالث “الغير عسكري”، تزامنا مع الآمال بان تنجح الاتصالات الخارجية في فتح ما بقي مغلقا من ابواب اقليمية، قبل بلوغ الاستحقاقات المالية والامنية والعسكرية اعتبارا من حزيران مهلة السماح الاخيرة، والا مزيد من التدهور الذي قد يقود الى تغيير الجمهورية والكيان وسقوط الطائف، بين الفدرالية المعلنة والمثالثة المبطنة.