شكّلت محطّة 2005 تحوّلاً جذرياً في الحياة السياسية اللبنانية، إذ إن جيش الاحتلال السوري خرج وتقلّص نفوذ دمشق بعد انتفاضة 14 آذار وانقلاب التوازنات الداخلية رأساً على عقب.
لكن سرعان ما شنّ النظام السوري هجوماً مضاداً مستفيداً من تراخي قوى 14 آذار واجتيازه قطوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان واتكاله على حلفاء داخليين على رأسهم «حزب الله»، وانضمام «التيار الوطني الحرّ» إلى هذا المحور.
في أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت إيران ورقة في يد النظام السوري، وتحوّلت دمشق تدريجياً إلى ورقة في يد نظام طهران بعد استلام الرئيس بشّار الأسد مقاليد الحكم بعد وفاة والده، إلى أن أتت الحرب السورية في 15 آذار 2011 لتشغل هذا النظام بالداخل ويخفّ تأثيره الإقليمي.
وما زاد الطين بلّة على النظام هو الدخول الإيراني إلى أرض سوريا ومن ثمّ المشاركة الروسية المباشرة في الحرب، حيث باتت سوريا تحت ما يُعرف بـ»الإنتداب الروسي الجديد».
وأتت الإنتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة لتشكّل الضربة القاضية لنفوذ سوريا المباشر في لبنان، إذ أسقطت كلاً من الرئيس السابق للحزب «السوري القومي الإجتماعي» أسعد حردان ولم ينل «القومي» بجناحيه أي مقعد مثله مثل سقوط حزب «البعث» وتيار «التوحيد العربي» برئاسة وئام وهاب إضافة إلى عدد من الشخصيات أمثال رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» طلال إرسلان والوزير السابق فيصل كرامي، وخروج رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية مهزوماً وفوزه بمقعد يتيم في زغرتا لنجله طوني.
بعد خروج الجيش السوري من لبنان قيل حينها إن «حزب الله» ورث «تركة» النظام وبات هو اللاعب الأبرز، وعند سقوط حلفاء دمشق في الإنتخابات الأخيرة اعتبر البعض أن «حزب الله» ساهم في إسقاطهم لكي «يكمش» الساحة معوّلاً على إبقاء حجم «التيار الوطني الحر» بالمستوى المقبول، وبالتالي فإن «الحزب» بات الآمر الناهي من جهة محور «الممانعة» في الملف الرئاسي.
ومن يُراجع المراحل السابقة يكتشف جيداً أن «حزب الله» أمسك بهذا الملف منذ الإنتخابات الماضية، بدليل أن فرنجية صديق الأسد الشخصي كان يملك فرصة ذهبية للوصول إلى بعبدا بعدما رشّحه الرئيس سعد الحريري وسار به كل من الرئيس نبيه بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط، لكن جواب «الحزب» كان واضحاً على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله إذ جزم بأن «مرشحنا هو العماد ميشال عون».
ومن جهة أخرى فقد سلّمت طهران ملف الرئاسة منذ الإنتخابات الرئاسية الماضية لـ»حزب الله»، إذ كانت تجاوب الفرنسي عندما يطرح معها الملف الرئاسي بعبارة «إبحثوا هذا الأمر مع الحزب»، علماً أن الإيراني يُبرم التسوية مع الأميركي وليس الفرنسي.
وما تأكيد نصرالله في إطلالته الأخيرة أن لا اسم رئاسياً معيّن إنما الترشيحات تأتي بسياقها الطبيعي، إلا موقف يُعبّر عن جدية «الحزب» بالتعاطي مع هذا الملف، فهو جزء من المنظومة الإيرانية ولا يريد التسرّع قبل نضوج التسوية الإقليمية أو أي تسوية تُبرمها طهران مع واشنطن، وبالتالي فإن فرنجية يحاول أن يعوّض الضعف السوري بنسج علاقات مع موسكو، وقد يدفع مجدداً ثمن ضعف النظام إلا في حال تبنّاه «حزب الله» كمرشح أوحد واستفاد من غضّ نظر أميركي وتشرذم قوى المعارضة الداخلية.