IMLebanon

فرنجيّة ما زال أولاً

 

 

شهدت الساحة الاعلامية اللبنانية في الآونة الاخيرة جوّاً مفاده انّ الامور قد تبدلت في مسألة الانتخابات الرئاسية، وذلك عبر ارتفاع أسهم قائد الجيش العماد جوزف عون وتراجع أسهم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.

وفي المعطيات انّ هناك غرفاً إعلامية تبثّ هذا الجو من غير ان ترتكِز الى اي معلومات او مصادر متينة لديها القدرة على استشراف آفاق المرحلة المقبلة، خصوصاً انّ هذه الاجواء قد استندت الى معطيات خارجية مفادها ان الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية تعمل جاهدة على تسويق ترشيح قائد الجيش، وانّ ثمّة ملاقاة له في الداخل اللبناني تجعل من هذا الترشيح على قاب قوسين او أدنى من الانتخاب.

 

وقد استغلّت هذه الغرف زيارة قائد الجيش لقطر لِتبني سَردياتها وتَخلق جواً من الاندفاعة في اتجاه دعمه، بحيث تراكم التأييد وتخلق نوعاً من الامر الواقع حول اسمه وتضرب بالتالي كافة الترشيحات الرئاسية التي تصدر من هنا وهناك وتضع ترشيح فرنجية في خانة الترشيح الفئوي، وكأن هذه الغرف تستسهِل العمل السياسي ولا تقيم وزناً للمعطيات الداخلية والتوازنات الاقليمية، او انها ترمي بالونات اختبار لمعرفة مدى التأييد النيابي والشعبي لترشيح قائد الجيش.

 

وعليه، فإن المطلعين والمواكبين لمجريات الاستحقاق الرئاسي يسجلون الآتي:

 

اولاً – ان الاجواء الخارجية لدى المربع المؤلف من واشنطن وباريس والرياض و«حزب الله» لا يزال موقفه على حاله من ان الولايات المتحدة قد فَوّضت الى فرنسا تدوير الزوايا حول الاستحقاق الرئاسي خصوصاً بين الرياض و«حزب الله»، حيث لا تزال باريس تشجع على انتخاب فرنجية لسببين: الاول يتمثّل بتأييد «حزب الله» له، والثاني قدرة فرنجية على الحوار وخبرته العميقة في التوازنات السياسية اللبنانية. على ان الرياض لا تزال ممتنعة عن الخوض في الاسماء مع تسجيل عدم وضع «فيتو» على اسم فرنجية الذي تربطه بها علاقات تاريخية كما سبق وذكر في اكثر من مناسبة.

 

ثانياً – لم يتبيّن حتى الساعة اي «فيتو» لواشنطن على فرنجية لمصلحة قائد الجيش او غيره من المرشحين الرئاسيين، وذلك بالتنسيق مع باريس والرياض، وهي تأخذ في الاعتبار إنجاز ترسيم الحدود البحرية في لبنان والتسهيلات التي مارسها «حزب الله» في هذا الشأن بِسَيره وراء موقف الدولة الرسمي ليتبيّن انه لا يبغي عرقلة الانجازات الوطنية، غير انه يلتزم فعلاً الدفاع الاستراتيجي عن لبنان ومصالحه.

 

ثالثاً – انّ زيارة قائد الجيش لقطر كانت لأهداف تتصل بمصالح الجيش العسكرية ليس إلّا، في ضوء ما تقدّمه قطر له من مساعدات.

 

رابعاً – انّ الاجواء المحيطة بالمجلس النيابي تعتبر ان انتخاب قائد الجيش يحتاج الى تعديل دستوري يفترض موافقة ثلثي اعضاء المجلس النيابي عليه، ما يصعب امكانية وصوله الى سدة الرئاسة، كما انّ بعض القوى السياسية الاساسية ليست متحمسة لهذا التعديل الدستوري كلّ لاعتباراتها الخاصة، واذ كان هناك قِوى مِنها توحي بتأييد هذا التعديل، فإنها تفعل ذلك من باب المناورة السياسية لقطع الطريق على فرنجية والذهاب نحو رئيس بلا طعم ولا لون، مُراهنة بذلك على رفض «حزب الله» للتعديل. ومثال على ذلك «القوات اللبنانية» التي وإن تَعايَشت مع قائد الجيش إلا انها تدرك تماماً ان هناك عبئاً تاريخياً يرزح على كاهل هذه العلاقة. فقد سُئل الرئيس ميشال عون يوماً: لماذا اخترتم جوزف عون قائداً للجيش؟» فردّ بأنه اختار «الضابط الاكثر كرهاً لجعجع».

 

خامساً – انّ مُجمل القوى السياسية في لبنان حتى المتخاصِمة بعضها مع بعض، ترى ان الحلول الدائمة في انتخابات رئاسة الجمهورية بالتوافق دائماً على قائد الجيش هي في غير محلها الديموقراطي لأنها كَمَن يلعب «ورقة يانصيب»، فهي لا تدري ما اذا كان هذا الرئيس يُناصبها العداء في يوم من الايام او تتضارب مصالحها معه.

 

سادساً – بمقدار ما يرفض رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وصول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى الرئاسة، فإنه يرفض ايضاً وصول العماد جوزف عون لأسباب تتصِل بخصومته معه التي تجلّت برفض عون السماح له التدخل في الشؤون الداخلية للمؤسسة العسكرية. كما انّ باسيل يعتبر انّ قائد الجيش ذو الميول الغربية سيكون لاعباً اساسياً على الساحة السياسية المسيحية التي يسعى الى أخذها الى الفكر الذي ينتمي اليه، كما ان قائد الجيش سيسعى، إن حالفه الحظ، الى العمل على استعادة عبارة «العونية» ولكن هذه المرة تيمّناً بجوزف عون وليس بميشال عون.

 

وأبرز مؤشرات هذا الامر هو إحاطة نفسه بمجموعة من السياسيين والاعلاميين الذين لا ينظرون فقط الى مسألة إيصاله الى سدة الرئاسة، بل الى خَلق تيار مسيحي ثالث يسحب البساط من تحت «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». على انّ قدرته على إحداث اختراق كبير داخل «التيار» مرتفعة جداً لأسباب تتصل بالخلافات الداخلية الناشبة بين باسيل وبعض نواب تكتّله وكوادر التيار الحالية والسابقة. أضف الى ذلك انّ الخروج من رئيس ينتمي الى فريق 8 آذار والذهاب نحو رئيس بالمعنى التوافقي سيضرب مستقبلاً فكرة ترشيح باسيل نفسه لرئاسة الجمهورية، لأنه من الصعوبة بمكان إعادة الرئاسة الاولى الى هذا الصف.

 

سابعاً – لا يزال المجتمع السياسي اللبناني برمّته غير مُدرك لنمط التفكير السياسي لدى قائد الجيش، فهو لم يعلن ابداً بعد اي موقف سياسي خارج أدبيات المؤسسة العسكرية، ولم يتم استكشاف خياراته السياسية في العمق ومدى ارتباطها بالسياسات الغريبة، ما يجعل كافة القوى اللبنانية في حالة جهل لهذا الامر، أضِف الى انها تخشى اصطدامه معها كما فعل بعض الذين سبقوه. فمَن يضمن ان لا يصطدم بالجميع تارة تحت شعار «محاربة الفساد» وطوراً تحت شعارات سياسية اخرى كـ»الحياد» مثلاً، وطرح استراتيجية دفاعية غير موضوعية كـ»اعلان بعبدا» ورفض عودة النازحين الى سوريا او ما شابَه.

 

ثامناً – انّ تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية حالياً ليس سببه الانقسام السياسي بين فريقي 8 و14 آذار ليكون الحل برئيس توافقي كما حصل في انتخاب العماد ميشال سليمان، وانما الامر اليوم يتعلق بمدى قبول باسيل بانتخاب فرنجية، على انّ موقف السعودية اليوم على سبيل المثال هو أقرب الى فرنجية اكثر من قرب باسيل إليه. كما انّ موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط هو اقرب الى فرنجية من موقف باسيل منه ايضاً… وقِس على ذلك. ما يعني ان اي تأييد سعودي لفرنجية سيضع باسيل في إحراج سياسي، فإمّا ان يسير في الركب، او يبقى خارج المعادلة منهمكاً بترتيب بيته العوني الداخلي.

 

تاسعاً – لا يجب ان يُنسى الموقف الذي أعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير من مسألة عدم موافقته على رئيس «يأخذ تعليماته من القيادة الوسطى الاميركية»، مع ما يعنيه هذا الامر من رسائل ومضامين. كما ان كافة المواقف التي تصدر عن قيادات «حزب الله»، ولا سيما منها الشروط التي وضعها نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم لمواصفات الرئيس الجديد من خلال تغريداته الاخيرة، لا توحي بقبول الحزب ترشيح قائد الجيش على رغم من العلاقة الممتازة القائمة بين الجانبين.

 

عاشراً ـ بحسب المواكبين للاستحقاق الرئاسي، فإنّ عدم تبنّي «حزب الله» لترشيح فرنجية ورغبة الاخير بطرح نفسه مرشحاً توافقياً لا يمكن تفسيرهما بعدم رغبة الحزب بالسير بفرنجية، وانما على العكس فإنّ مواصفات الاخير هي بطبيعتها «توافقية بامتياز». وبالتالي، فهي في إمكانها ان تحصد تأييد «الحزب» وحركة «امل» وغيرها من القوى المتخاصمة. كما انّ «فيتو» باسيل بات لا يضرب حظوظ فرنجية لأنه تبيّن في ضوء التطورات الأخيرة انّ باسيل يمكنه ان يكون ممراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي، ولكن بالمعنى الايجابي لا السلبي.

 

ويبقى انّ المواكبين للاستحقاق يرون حتى الآن انّ فرنجية «لا يزال يتصدر لائحة المرشحين، ولا ينافسه في السباق الرئاسي سوى مرشح واحد هو الفراغ».