Site icon IMLebanon

فرنجية ينتفض من بكركي: لا يزايدنّ أحد على مارونيتي

 

 

توحي المواقف والتحركات الجارية وما يرافقها من ضغوط الازمات المتفاقمة على كل المستويات انّ الاستحقاق الرئاسي عاد يتصدر الاهتمامات بقوة في مختلف الاتجاهات ما يجعله على مسافة زمنية ليست بعيدة من الانجاز، خصوصاً انّ البلاد باتت لا تتحمّل ما بدأت تشهده مؤسسات الدولة من انحلال تستدعي بقوة وسرعة اعادة تكوين سلطة جديدة قادرة على تحمل المسؤوليات الجسام التي تنتظرها.

يرى متابعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي ان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عَمد، خلال زيارته لبكركي امس الاول، الى ما يشبه التذاكي على اللعبة الديموقراطية في لبنان والبعد الوطني للاستحقاقات الدستورية، محاولاً للمرة الرابعة رمي نفسه في الحضن المسيحي بعدما استنفد كافة الاسلحة التي رغب باستعمالها ولم يفلح، ومنها التقاطع مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على اسم مرشح، ومحاولة الايقاع بين رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» بطرح «مرشح وسطي» قبل ذهابه الى فرنسا والتسريب الكلامي الشهير له، من دون أن ننسى محاولته لإقناع «حزب الله» بالتخلي عن تأييد ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية زاعماً انه يسعى الى «مرشح لديه القدرة على بناء الدولة»…

 

ويضيف هؤلاء المتابعون ان استراتيجية باسيل تبدو الآن تهدف الى خَلق جو مسيحي سلبي امام المحاولات الحثيثة لانتخاب رئيس جمهورية وإطلاق عمل المؤسسات الدستورية، فهو يعمد الى ترويج فكرة ان يكون المرشح الرئاسي مدعوماً من احدى الكتلتين المسيحيتين الكبيرتين، اي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وذلك بغية إقفال الطريق امام فرنجية الذي يتبيّن حتى الآن انه اقوى المرشحين إذ في إمكانه الحصول على تأييد اكثر من نصف اعضاء المجلس النيابي ومن جميع الطوائف والاتجاهات، وهذا الامر بات مكشوفاً امام المعنيين، فيما من المؤكد انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لن يتجاوب مع باسيل في الالتقاء والتنسيق لكنه في الوقت نفسه يرتاح الى مواقف رئيس «التيار الوطني الحر» لأنها تخفّف من الضغوط عليه.

 

وإزاء هذا المشهد يرى المطلعون على مسار الاستحقاق الرئاسي ان زيارة فرنجية للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي امس جاءت في محلها وفي توقيتها الصائب، بما يمكن اعتبار انّ مسار ترشيحه ينطلق في الطريق القويم واثقاً من بلوغ الهدف للاعتبارات الآتية:

 

اولاً – لقد تبيّن ان ليس هناك من اتفاق مسيحي كبير على اسم مرشح رئاسي واحد، اذ انّ المرشح النائب ميشال معوض لم يَحز اكثر من 25 صوتاً مسيحياً من اصل 64، وإذا ترشح باسيل لا يمكنه ان يحوز اكثر من اصوات كتلته النيابية من المسيحيين، واذا ترشح جعجع فلا يمكنه تجاوز رقم معوض كون كتلة الكتائب ستمتنع وبعض النواب المسيحيين المستقلين عن انتخابه لأسباب موضوعية. في حين انه يمكن لفرنجية ان ينال نحو 15 صوتاً مسيحياً استناداً الى احصاء او بوانتاج أجراه احد المعنيين المسيحيين بالشأن النيابي، ما يُضعف حجة باسيل التي يسوقها في وجهه.

 

ثانياً – يرى عدد من النواب والشخصيات المسيحية ان المسيحيين باتوا في حاجة الى خيار ثالث حقيقي يستطيعون من خلاله التعبير عن آرائهم الحرة وتنفيذ مشاريعهم بعيداً من التبعية السياسية التي يمارسها كل من «التيار» و«القوات». وبالتالي انّ وصول فرنجية الذي لا نزعة توسعية إلغائية لديه، من شأنه وتحت سقف بكركي وكافة المرجعيات المسيحية فتح صفحة جديدة في العلاقات المسيحية ـ الاسلامية بعيداً من التجييش الطائفي عند كل مفترق دستوري لغايات لا تمت الى المصلحة المسيحية بصلة.

 

ثالثاً – انّ الاجواء التي سادت في الايام الاخيرة عن احتمال انتخاب فرنجية بأكثر من 65 صوتاً ومحاولة البعض تشويه الامر خصوصاً بعد الموقف الذي أعلنه النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا الصدد جَعلت فرنجية يتدخل بحزم وبجرأته المعهودة ليصوّب الامور، بعدما تمادى البعض في تشويه تمثيله المسيحي واعتباره دخيلاً على المسيحيين. فعمد الى التركيز على انّ انتخابه بـ 65 صوتاً، اي الاكثرية المطلقة، يكون ميثاقياً لاعتبارين: الاول، هو ان الانتخاب سيكون في ظل توافر النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، اي اكثرية ثلثي اصوات المجلس حتى في الدورة الثانية. والاعتبار الثاني، هو ان هناك تأييداً مسيحياً له لا بأس به من ضمن الاكثرية المطلقة التي يكون قد حازها، فلا يجوز سؤاله في هذه الحال عن كيفية قبوله بأن يكون رئيساً بتأييد 65 صوتا من اصل 128 هم عدد اعضاء مجلس النواب. كما ان لا احد يمكنه إحصاء مَنْ مِنَ النواب المسيحيين قد اقترع له ضمن الاكثرية المطلقة.

 

رابعاً – لا يجوز ان يُغفل مثيرو الميثاقية ان اللبنانيين يتطلعون الى انتخاب رئيس للجمهورية لتسيير عجلة الدولة، كذلك لا يجب عليهم ان يغفلوا عدم وجود اي «فيتو» خارجي على فرنجية وأن وصوله الى الرئاسة يأتي ضمن مظلة وطنية كبيرة يكون المسيحيون في حاجة اليها من اجل تصويب دورهم التاريخي وتعزيزه، فلا يعقل ان يأتي رئيس للجمهورية مطواعاً لباسيل ويكون على علاقة جيدة ببقية الاطراف السياسية. كذلك لا يمكن الاتيان برئيس مطواع لجعجع يكون على علاقة جيدة مع الاطراف الاسلامية ايضاً نظراً لمشكلته الكبيرة مع هذه الاطراف بشقيها السني والشيعي.

 

خامساً – حاول فرنجية التركيز على النمط الاستيعابي في أدائه الرئاسي، إن قدر له الوصول الى سدة الرئاسة، ولا يجب إغفال اشارته الى قدرته في ان يمون على كل من «حزب الله» وسوريا في ما يتعلق بالهواجس المسيحية والوطنية في آن. في حين ان غيره من المرشحين لن يستطيعوا ذلك وسيكونون مديري أزمة ولن يصلوا الى حل هذه المشكلة، فيكون فرنجية بذلك قد غمزَ من قناة النازحين السوريين ومن قناة علاقة لبنان مع دول الخليج العربي. كذلك كان لافتاً تأكيد فرنجية رغبته في طرح مسألة الاستراتيجية الدفاعية التي لطالما نادى بها خصومه السياسيون.

 

ويبقى ان ينتظر اللبنانيون الآتي من الايام لمعرفة ما اذا كانت مسألة انتخاب رئيس الجمهورية ستكون على نار حامية، خصوصاً في ظل السعي الى إيصال فرنجية بعدما ثبت امتناع باسيل عن تأييده لأسباب تتصل بقدرته الاستيعابية، على حد توصيف فرنجية له من على منبر بكركي.