على رغم أنّ «الستاتيكو» الرئاسي خُرق على خطوطٍ داخلية عدة، إلّا أنّ الحركة رئاسياً لا تزال «بلا بركة». على ضفة المعارضة، افتتح بعض نواب «التغيير» مساراً جانبياً، بالاعتصام داخل مجلس النواب، إلّا أنّ هذا المسار لم يوصل الى أي باب رئاسي، فلا انضمّ إليه عدد كبير من النواب، خصوصاً من المعارضة «السيادية» ولا لاقى تجاوباً شعبياً موازياً تُرجم ضغطاً في الشارع، ولا دفع رئيس المجلس نبيه بري الى تسريع وتيرة الدعوات إلى جلسات انتخابية أو جعلها مفتوحةً، بل أفرز نتيجةً عكسية وأدّى الى امتناع بري عن الدعوة الى جلسات لانتخاب رئيسٍ للجمهورية «تحت الضغط». بعدها، باشر رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بـ»الخطة ب» التي تمهّد للخروج من دعم ترشيح النائب ميشال معوض بتسويق أسماء توافقية. على ضفة فريق الثامن من آذار، جزم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل علناً، بعدم سيره بانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزاف عون، أو تغطيته لهذا الانتخاب، حتى لو اضطُر الى إعلان ترشحه للرئاسة.
وتقول مصادر نيابية واسعة الاطلاع، إنّ المرحلة المقبلة صعبة على كلّ المستويات في البلد، وستشهد حرباً سياسية كبيرة، خصوصاً أنّ ملفات كبيرة متشابك بعضها ببعض داخلياً وخارجياً، من الرئاسة الى التحقيق في تفجير المرفأ. وسيكون لصدور القرار الظني في هذا الملف أثره على الاستحقاق الرئاسي، إذا صدر في ظلّ الفراغ، فعلى رغم التعارض والتخبط داخل القضاء، وعدم تنفيذ قرارات المحقق العدلي القاضي طارق البيطار داخلياً، إلّا أنّ المعادلة ستتغيّر بمجرّد صدور القرار الظني، فجميع الذين سيُتهمون أو تُذكر أسماؤهم في هذا القرار، سيصبحون أمام اشكالية دولية ولن يتمكّنوا من عبور المطار أو الوصول الى دولٍ عدة، لأنّ الخارج يدعم البيطار.
هذا في وقتٍ، وعلى رغم انتظار غالبية الأفرقاء في الداخل نتيجة اجتماع باريس المرتقب عقده خلال الشهر الجاري، هناك جهات سياسية أساسية تعتبر أنّ الحلّ لا يزال في أيدي اللبنانيين، إذ إنّ القوى الكبرى المؤثرة منشغلة في ملفات أكبر تطاولها مباشرةً. وبالتالي، بلا اتفاق داخلي، لن «يتفضّى» الخارج كلياً لإنتاج حلّ رئاسي وفرضه على الداخل. وفي حين أن لا تطوّر رئاسياً على أي جبهة داخلية، إلّا أنّ جهات سياسية معارضة ترى أنّ «حزب الله» بات أمام مأزق رئاسي، إذ أصبح من المستحيل تأمين 65 صوتاً لفرنجية، بعد موقف باسيل وبدأ جنبلاط بتسويق لائحة أسماء توافقية لا تضمّ فرنجية. وبعد موقف باسيل الأحد الفائت، تعتبر هذه المصادر، أنّ ترشيح فرنجية انتهى من داخل صفوف محور الممانعة.
لذلك إنّ «حزب الله» الآن أمام خيارين: إمّا الاستمرار في التمسُّك بفرنجية وتحمّله مباشرةً مسؤولية التعطيل ومصير البلد، وإمّا الانتقال الى تسمية جديدة، لأنّ الرهان على عامل الوقت لتطويع باسيل وإخضاعه لم يعد قائماً. وبالتالي، إنّ خيار فرنجية أُسقط من بيته الممانع، على رغم التداعيات التي سيرخيها موقف باسيل على علاقته بـ»حزب الله».
وإذ يتحرّك جنبلاط على أكثر من خط، ويتواصل مع بري وحزب «القوات اللبنانية» وباسيل وبكركي والجميع، كذلك هناك أكثر من فريق سياسي يتحرّك على أكثر من خط. لكن هذه الخطوط كلّها متوقفة، بحسب مصادر معنية، عند حدود أنّ «حزب الله» لا يزال متمسكاً بمرشحه، على رغم أنّه ترشيح غير قابل للصرف. لكن لـ»الثنائي الشيعي» وجهة نظر أخرى، فهو يعتبر أنّ ترشيح فرنجية لم يسقط، والأبواب الداخلية والخارجية ليست مقفلة في وجهه. ويعمل كلّ من بري و»حزب الله» على الوصول الى هذا الهدف من دون «تحدِّ» أو معركة «كسر عضم». ولا يزال «حزب الله» على «الخطة أ» الرئاسية وهي العمل على انتخاب فرنجية، ويعتبر أنّ ترشيح فرنجية قائم، وحتى لو بات صعباً لكنّه ليس مستحيلاً.
موقف «الثنائي»، يدلّ الى أنّ موقف باسيل الأخير، «كأنّه لم يكن»، «خصوصاً أنّ جهات سياسية على تقاطع مع كلّ القوى، تعتبر أنّ تهديد باسيل بترشحه موجّه الى فريقه أكثر ممّا هو موجّه لحلفائه أو خصومه. فهناك فريق أساس ومؤثر داخل «التيار» يضغط في اتجاه ترشيح شخصية من «التيار» غير باسيل، خصوصاً أنّ هناك من يمنّي نفسه بالرئاسة جدياً. وبالتالي، إنّ «الثنائي الشيعي» لا يزال مصراً على أنّ فرنجية ليس «رئيس تحدٍّ»، ومن يرفض انتخابه الآن قد يقبل به لاحقاً تحت «أعذارٍ» عدة، وأنّ الصراخ الذي علا أخيراً يشير إلى اقتراب الحلول، وقد يكون أحدها انتخاب فرنجية رئيساً.