IMLebanon

لماذا التصعيد «القوّاتي» ضد فرنجية؟

 

 

إستوقف المراقبون الموقف التصعيدي لـ«القوات اللّبنانيّة» ضدّ ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة، والذي تتجاوز نبرته بدرجات نبرة رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل الرافض هذا الترشيح، ما دفعهم الى طرح مجموعة من الساؤلات حول أبعاد هذا الرفض «القواتي» القاطع والذي جاء غداة الاجتماع «الخماسي» العربي ـ الدوليّ الأخير في باريس وتحرّك سفراء دوله في لبنان لتسويق النتائج التي أسفرت عنه ولم يبادر أركانه الى إعلانها في بيان ختامي.

يرد المتابعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي وشجونه، هذا الموقف «القواتي» الى جملة أسباب واحتمالات منها:

 

– أوّلاً، إنّ «القوات» ربما تكون قد توافرت لديها معطيات داخلية وخارجية تدل الى أنّ هناك تسوية نضجت أو في طور النضوج وتميل لمصلحة الاتفاق على فرنجية مرشحا توافقيا، وضمن صفقة ينجز بموجبها الاستحقاقان الرئاسي فالحكومي على أساس برنامج إصلاحي يلبّي المتطلبات، الأمر الذي دفعها الى اتخاذ هذا الموقف المتصلب بما يشكل رسالة للداخل ولأطراف التسوية الاقليميين والدوليين لعلهم يعيدون النظر في موقفهم، ويخرجون من هذا الخيار الرئاسي الى خيار آخر.

 

– ثانيا، ان «القوات» التي أعلن رئيسها الدكتور سمير جعجع انها لن تعطل انتخاب رئيس الجمهورية وانها ربما تقاطع جلسة او جلستين اذا كانت لا تؤيّد هذا المرشح او ذاك ولكنها في النهاية تحضر الجلسة وربما لا تنتخب، ربما خرجت من هذا التوجه الى اعتماد أسلوب مقاطعة الجلسات الانتخابية خصوصاً اذا ثبت لديها أن فرنجية تمكن من تأمين انتخابه بالأكثرية النيابية المطلقة (65 صوتاً أو أكثر بقليل) وان القوى السياسية والكتل والنواب المؤيدين له يتجهون الى انتخابه في جلسة يتوافر فيها نصاب الثلثين من دون حضور تكتل «الجمهورية القوية» وبقية نواب المعارضة.

 

– ثالثا، انّ موقف «القوات» ربما يكون مردّه الى معطيات تفيد ان اطراف التسوية الاقليميين والدوليين لم يتفقوا بعد على الصفقة الرئاسية ـ الحكومية الموعودة، وانه لا يزال امامهم متّسع من الوقت يفصل عن موعد إبرام هذه الصفقة التي يربطها البعض بالمفاوضات الاقليمية والدولية الجارية خصوصاً بين ايران وبين الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأميركية حول مصير الملف النووي الإيراني، وكذلك الوساطات الجارية في غير عاصمة عربية للتقريب بين المملكة العربية السعودية وايران وارتباط ذلك بمصير حرب اليمن التي بدأت تقترب من النهاية فضلاً عمّا يجري عربياً عموماً وخليجياً خصوصاً في اتجاه سوريا.

 

– رابعاً، ربما لا تؤيّد «القوات اللبنانية» انعقاد اللقاء المسيحيّ الموعود برعاية البطريركية المارونية، والذي أوصَت به القمة الروحية المسيحية الاخيرة في بكركي، وذلك لاقتناعها حتى الآن أن هذا اللقاء قد لا يُفضي الى اتفاق على مرشح رئاسيّ بعينه، بل ربما يؤدي الى خلافات نتيجة مُفاضلة هذا الاسم على ذاك، خصوصاً أنّ المحاولات التي اجراها البعض لتحقيق تفاهم بين «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» لم تنجح بعد، اذا لا يوجد حتى الآن أي مؤشر الى توافق بين الطرفين أقلّه على مرشح معين لرئاسة الجمهورية.

 

– خامساً، إنّ كل العواصم العربية والاجنبية المتعاطية الشأن اللبناني، وعلى عكس ما يُشاع من حين الى آخر، وفي ضوء اجتماع باريس الخماسي الأخير وجولة سفراء دُوَله على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقيادات سياسية وكتل نيابية والتي لم تنه فصولاً بعد، تدل الى ارتفاع وتيرة الاهتمام بالاستحقاقات اللبنانية خصوصاً أنّ تصاعد الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية يُنذر بمخاطر كبيرة وبلغ حدوداً تهدد مصالح هذه العواصم وتجعل الوضع خارجا عن السيطرة، ولذلك ربما يكون قد حان أوان إبرام الصفقة ـ التسوية من دون التوقف طويلاً عند موقف أيّ طرف داخليّ يعارضها، حتى ولو كان «القوات»، لا يؤيّد هذه التسوية التي يقول البعض انها ستكون ربما رئيس جمهورية يميل بنحوٍ أو بآخر الى هذا الفريق أو ذاك، ورئيس حكومة يميل الى هذا الفريق أو ذاك، وبالتالي الاتفاق على تشكيلة حكومة فاعلة تستطيع تنفيذ الاصلاحات المطلوبة داخلياً ولدى المؤسسات المالية الدولية ومجموعة الدول المانحة ولا سيما منها أطراف مؤتمر «سيدر».

 

ولذلك، يقول المتابعون إنّ موقف «القوات» وغيره من مواقف الأفرقاء السياسيين في ما يسمّى الموالاة والمعارضة لا يمكن ادراجها في المحصلة إلاّ في اطار رغبة كلّ فريق في رفع سقف مطالبه وشروطه للقبول بالتسوية الموعودة حتّى يضمن «حصته»، اذا جاز التعبير، في ظلّ العهد الرئاسي المقبل، وهو عهد يفترض أن يكون مختلفاً عن كل العهود التي سبقته منذ إقرار «اتفاق الطائف» والدستور الذي انبثق منه عام 1990، سواء على مستوى الإضطلاع باستكمال تنفيذ هذا الاتفاق ـ الدستور وتصحيح ما نفّذ منه، أو على مستوى تحقيق الاصلاحات البنوية المنشودة ومكافحة الفساد، وكَف يدّ المنظومة التي تسببت به لأنه بات من المستحيل، باقتناع الجميع، أن تستمرّ البلاد في ظلّها.