لا ضرورة لتُلقي نفسك من العاشر كي تتأكد من مصيرك المحتوم. هو تماماً، ما سيصيب اللبنانيين لو نجحت المنظومة الحاكمة في إيصال سليمان فرنجية. وبالمباشر، يتحمل “الثنائي الشيعي” تبعات هذا الإرتكاب كونه رافعته الأساس، ولأن سائر النواب المؤيدين لهذا الخيار ليسوا سوى “كومبارس” بقيادة متلهف لإكمال النصاب.
من التفاهة معارضة انتخاب فرنجية بحجة أن الكتل النيابية المسيحية ترفض تأييده، أو لأن التوافق عليه صعب المنال، أو لأن أكثرية 65 صوتاً لا تمحضه ثقلاً شرعياً مستحَباً. ففرنجية “ماروني 24 قيراطاً”، ولا شك بشرعية انتخابه إذا اكتمل النصاب وحظي برقم النجاح الوارد في “الكتاب”، لكن جوهر الموضوع هو ماذا يفعل هذا الرئيس في اليوم التالي لاحتفال النصر؟ وكيف سينقذ بلداً رماه فريقه في لُجَّة الانهيار قبل أن ينفِّذ مأربه بوضع اسمه في صندوقة الاقتراع؟.
يقلب الفريق الممانع الحقائق مرَوّجاً بأن فرنجية مرشح توافقي بامتياز خلافاً لميشال معوض أو قائد الجيش او غيرهما!، والمثير للإستغراب قناعة بعض الإكليروس “الطيبي النيات” بأن مارونيته العميقة شهادة كافية تؤهله للكرسي الرئاسي وتضمن حقوق المسيحيين في النظام، متناسين أن “سيف النصارى” الأخير الخارج لتوه من بعبدا رفَع الشعار نفسه؛ وبعض النباهة يكفي للسؤال: اذا كان الانتهازي الدخيل على المنظومة في 2005 تسبب للمسيحيين ولعموم اللبنانيين بهذا الضرر الجسيم، فماذا يمكن أن يَنتج عن الأصيل؟
إنتماء فرنجية للمحور السوري الإيراني وللمنظومة التي حكمت لبنان جليٌ للعيان. ومشكلته شائكة لأن هذا الفريق دمَّر الدولة وعلاقاتها المفيدة وتَشارك مع مافيا المصارف في نهب الودائع والتسبب بانهيار الاقتصاد. وفرنجية، اذا أتى، لن يغيِّر جلده أو يحاسب عصابة الفساد التي أوصلته الى بعبدا أو يعيد حقوق ضحايا 4 آب، أو يضغط لاستعادة السيادة في ظل قوى الشرعية وحدها، أو يعيد النازحين، على سبيل المثال. هو نفسه يفتخر بقناعاته السياسية بما يؤكد أنه ابن “المنظومة” البار. ولا أحد ينسى أنه شريك مضارِبٌ في السلطة منذ أولى حكومات “الطائف”، وشريك فاعل في الإنقلاب على “الاتفاق”، كما أنه إحدى ركائز الوصاية، مع هامش خطاب طائفي يمنح الذمِّية بعض الفروسية والعنفوان.
لن يُدخلنا “الثنائي” وحلفاؤه في مغامرة عادية لو تمكنوا من “سرقة” الرئاسة لفرنجية عبر الانتخاب، بل في مقامرة خطيرة ستؤدي الى استمرار التردي وتعميق الحفرة. فالترويج عن عدم ممانعة أميركي وغياب “فيتو” سعودي هو “حديثُ خرافة”، تارة يستند الى تحليلات عن قرب تجديد الاتفاق النووي، وطوراً يراهن على عودة بشار الأسد الى الجامعة العربية، في حين أن “النووي” يبتعد، وبشار ليس عائداً على حصان أبيض، بل ضمن سلة شروط تتناسب مع خفة وزنه السياسي و”شهادة فقر الحال” التي يشاركه فيها أكثر من نصف شعب ايران.
إنتخاب فرنجية هو فرضُ أمر واقع يتحدى توق معظم اللبنانيين الى الإصلاح والإنقاذ واستعادة الدولة ولا يفك ضيقة لبنان مع المجتمع الدولي والخليج. هو خطوة رعناء، إن لم تكترث بحال الناس فعليها تذكُّر ان جورج قرداحي اضطر للاستقالة لتصريحات سابقة على توليه الوزارة، وهي أقل بكثير من تاريخ حافل بالولاء والوفاء لدمشق وطهران و”حزب الله”، ومن تغريدة عن قاسم سليماني جاء فيها: “الشهيد رجل عظيم ناصَرَ الحق وانتصر للحقيقة…”.