اكتملت أمس شروط التئام الجلسة الدستورية والطبيعية والمنطقية لانتخاب رئيس للجمهورية بالوصول أخيراً إلى معادلة مرشح قبالة مرشح، لا أوراق بيض ونعوت وأوصاف قبالة مرشح أو أكثر. المتبقي في المشكلة إقناع المعنيين بالتصويت بالذهاب إلى القاعة
في اليوم الرابع أوصد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باب الجدل الذي ظُنَّ أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي افتتحه الخميس الفائت في «الأخبار» بدعمه ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. منذ اليوم الأول بعد ذاك الخميس توسعت التكهنات في اتجاهات مختلفة، وأحياناً متنافرة حيال ما قاله برّي: مرة أن الكلام منسوب إليه ولم يقله، وثانية أنه حقيقي لأنه لم ينفه وفي ذلك مكمن مشكلة عند البعض، وثالثة أنه تحدث باسمه الشخصي، ورابعة أنه نطق باسم الثنائي الشيعي بالتضامن والتكافل، وخامسة أنه أربك حليفه حزب الله الذي لم يكن أدلى بدلوه في الاسم بعد فاستعجله إياه، وسادسة أنه أحرج فرنجية الذي لم يكن بدوره ترشح بعد وبات ملزماً بعدذاك أن يفعل قبل أن يكون جاهزاً تماماً للمغامرة.
لم ترسُ التكهنات هذه على استنتاج واحد إلى أن بَقَّ نصرالله البارحة البحصة العالقة في الحلق. في ظهوره في الأشهر الأخيرة تحدث مراراً عن مواصفات الرئيس الذي تريده المقاومة دونما أن يسمّي المرشح. لم يكن خافياً أنه كان يتحدث عن فرنجية بالذات، لا سواه ولا نظير له. ما فعله رئيس المجلس أن طابَقَ الاسم المتفق عليه سراً على المواصفات المعلنة إلى أن أكد عليه الأمين العام للحزب أمس بإضافته تمييزاً شكلياً ثانوياً هو أن حزب الله «يدعم» فرنجية بعدما قال برّي إن فرنجية «مرشحنا». المترددون على رئيس المجلس سمعوا منه مراراً، قبل الخميس الماضي بوقت طويل وبعده، أن فرنجية مرشحه الوحيد. كان يقول: «منذ عام 2015 هو مرشحي. رشحته وكاد أن يصل إلى الرئاسة ولا يزال»، معيداً التذكير بأنه لم يقترع في جلسة 31 تشرين الأول 2016 للمرشح الوحيد الرئيس ميشال عون.
بعد ما قيل غداة مواقف برّي الأسبوع الفائت أنه دفع انتخابات الرئاسة في مسار جديد، يفترض تبعاً لذلك أن أي جلسة مقبلة لمجلس النواب لن تشبه الإحدى عشرة المنصرمة، ثبّت نصرالله أكياس الرمل في المواجهة بتأكيد دعم فرنجية على أنه مرشحه النهائي، وفي الوقت نفسه تعزيز الاعتقاد بأن أي جلسة يدعو إليها رئيس البرلمان لانتخاب الرئيس – إذا كانت ستعقد ويكتمل نصاب ثلثيها أولاً – تعني سلفاً أن فرنجية مرشح الثنائي الشيعي وحلفائه قبالة مرشح الفريق الآخر أياً يكن.
في المعلومات المكتومة عن إدارة الثنائي الشيعي معركة مرشحه أن الإعداد لها بدأ باكراً بخطى متمهلة. عناصرها شتى: لقاءات دورية بعيدة من الإعلام بين برّي وفرنجية، في موازاة خطوط تواصل يومية بين الثنائي وثالثهم الزعيم الزغرتاوي ومع الحلفاء لتعقب الاتصالات والمواقف المحلية أو تلك التي يطلقها السفراء المؤثرون في السر والعلن. في صلب مقتضيات إنجاح الإدارة هذه تفادي ما خبره حزب الله بين عامي 2014 و2016 باستعجاله إعلان دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية بعدما أُرغم عليه تحت وطأة ضغوط التيار الوطني الحر (وهو ما كشف عنه نصرالله أمس) بإزاء معارضة برّي ترشيحه. حينذاك نشأت الطامة الكبرى بأن نُعت عون بمرشح حزب الله قبل أن ينضم إليه – مع ذلك كلٌ لأسباب مختلفة – على التوالي سمير جعجع ثم الرئيس سعد الحريري، فيما بقي برّي المعارض الوحيد له.
أما فحوى إنجاح الإدارة هذه فقضى بالاتفاق بين الثلاثي على إطلاق يد فرنجية في تحديد زمان إعلان ترشيحه ومكانه، على أن ينضم الثنائي إلى تأييده دونما أن يَبِين أنه مرشحهما، في الوقت نفسه الفسح في المجال أمام فرنجية إجراء أوسع اتصالات تعزز حظوظه انطلاقاً من الاعتقاد أن المشكلة – على صعوبتها – لا تكمن فحسب في توفير أصوات الفوز من الدورة الثانية وما يليها بالأكثرية المطلقة، بل تسهيل ظروف التئام البرلمان بثلثيه على الأقل وهو 86 نائباً.
بإعلان بري الخميس المنصرم تأييده فرنجية قفز من فوق المراحل المتأنية، غير المقترنة بروزنامة زمنية، كي يمسي ثمة أمر واقع جديد قد لا يُنبئ بالضرورة بتوقّع تحديد موعد قريب للجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس، في ضوء متغيرات جديدة للمرحلة المقبلة:
1 – رد فعل معارضي الثنائي وفرنجية بانتقالهم هم أيضاً إلى مسار جديد صادم في مقاربة الجلسات، بإعلانهم سلفاً أنهم يقاطعونها إذا تيقنوا أنها ستفضي إلى انتخاب فرنجية. السلاح الجديد لهذا الفريق محاولته الإمساك بالثلث زائداً واحداً (44 نائباً) في المجلس لتعطيل نصاب التئام الثلثين، المؤهل للذهاب إلى الدورة الثانية للاقتراع. بذلك وجد هذا الفريق في التعطيل الذي رفضه سابقاً الوسيلة الفضلى لمنع وصول المرشح الخصم، فيقتدي بدوره بالمتهم في الأصل بتعطيل جلسات الانتخاب أكثر من مرة. مغزى هذا التقاطع أن فريقي النزاع لا يقاربان انتخابات الرئاسة على أنها استحقاق دستوري واجب ملزم وحتمي، بل سبل الحؤول دون وصول المرشح الذي يرفضه كل منهما.
2 – بعدما تمسّك وليد جنبلاط طوال الجلسات الإحدى عشرة بتأييد النائب ميشال معوض، أجرى منذ تعليقها استدارة أولى عندما طرح ثلاثة أسماء للرئاسة ليس بينها نائب زغرتا هي جهاد أزعور وصلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزيف عون فلم تلقَ آذاناً صاغية. ثم أجرى استدارة ثانية الخميس الفائت بوقوفه إلى جانب برّي في ما أدلى به دونما إظهار اهتمام بالمرشح الذي ثابر عليه حتى ذلك الوقت وهو نائب زغرتا، موحياً أن خياره في لحظة الانحياز هو إلى برّي لا إلى أي سواه. مذ طرح الأسماء الثلاثة أظهر ضمناً استعداداً للتخلي عن معوض أو في أحسن الأحوال الاستعداد للذهاب إلى سواه بالتزامن مع إصراره على رفض انتخاب فرنجية. ليست الاستدارتان عند جنبلاط حكماً الأخيرتين.
3 – في اعتقاد الثنائي وحلفائه أن معركته بفرنجية رابحة إذا اقتصرت المواجهة على الكتلتين المسيحيتين الكبريين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية فرادى أو معاً. إلا أنها خاسرة إذا وقفت السعودية جهاراً في طريق فوز فرنجية. تأثيرها المباشر على نصف النواب السنّة على الأقل وعلى جنبلاط كفيل بإعطاب نصابيْ الثلثين والغالبية المرجحة. ما يصل إلى الثنائي عن مواقف المملكة متناقض. بعض يقول إنها لن تسمي وغير معنية، وبعض ثان يقول إن موقفها بعد انتخاب الرئيس لا قبله، فيما يصل إليه ما يشيعه النائب وائل بو فاعور أن السعودية جازمة في رفض انتخاب فرنجية. لم يسمع برّي مرة من جنبلاط أن السعودية ترفض فرنجية. المحسوب أيضاً عند الثنائي حضور النواب التغييريين ما دام اثنان منهم لا يزالان معتصمين في المجلس منذ 19 كانون الثاني. كذلك المرشح الخصم معوض ومؤيدوه ما دام يعد نفسه وارث بيته بعد الرئيس الأول لاتفاق الطائف.