يبدو أنّ قرار الرياض باعتماد سياسة «النأي بالنفس» عن التجاذبات حول الأسماء المرشحة إلى رئاسة الجمهورية قد افسح المجال أمام كل فريق داخلي للتمسك بخياره، مراهناً على أنّ الوقت يلعب لصالحه، وانّ تسلّحه ببعض الصبر سيقوده إلى تحقيق مراده في نهاية المطاف.
معارضو ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية يعتبرون انّ الطرح السعودي المعلن يترك لهم حرية القرار ويشكّل نوعاً من «قبّة باط» للاستمرار في رفض فرنجية، وبالتالي فإنّ هؤلاء يجزمون بأن ليس هناك أي ضغط سعودي عليهم لدفعهم إلى الموافقة على ما ليسوا مقتنعين به، وهذا من شأنه ان يريحهم اكثر في معركتهم الرئاسية، وفق تقديراتهم.
اما داعمو فرنجية فيجدون في الموقف السعودي الممتنع عن وضع فيتو على أي مرشح نقلة إلى الأمام في اتجاه التمهيد للقبول الصريح برئيس «المردة» لاحقا.
ويرى هؤلاء، انّ فكّ الشيفرة الديبلوماسية في تصريحات السفير وليد البخاري يفضي إلى الاستنتاج بأنّ المملكة لم تعد تعترض على مبدأ وصول فرنجية إلى الرئاسة، وانّ موقفها تدرّج من الرفض القاطع ولو غير المعلن له، إلى الاستعداد الضمني للقبول به، متوقعين ان تستكمل الرياض استدارتها نحو بنشعي مع تثبيت دعائم الاتفاق السعودي – الايراني والمصالحة السعودية – السورية.
وهناك من يلفت في هذا الإطار إلى انّ التفاهم بين المملكة وايران لا يزال في مرحلة الاختبار وبناء الثقة، ولذلك فإنّ ظهور مفاعيله الرئاسية الواضحة في لبنان لن يحصل سريعاً، بل يتطلب بعض الوقت إلى حين التثبت من نجاح الاتفاق المُنجز، سواء على مستوى العلاقات الثنائية او مستوى الساحات الإقليمية التي لها أسبقية استراتيجية على لبنان، مثل اليمن.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، انّ السعودية قد لا تكون جاهزة الآن لإبداء موافقة صريحة على فرنجية المصنّف ضمن محور الممانعة، لأنّ ما من ضمانة نهائية بعد بأنّ التفاهم مع طهران سينجح بالكامل، وبالتالي فإنّ الرياض لن تستعجل في حرق المراحل وإعطاء الضوء الأخضر لفرنجية الذي سيقيم في قصر بعبدا لست سنوات، قبل أن تكون علاقتها بايران قد أنهت بنجاح مرحلة الروداج، وهذا ما يفّسر انّها اكتفت حالياً بمنح رئيس «المردة» الضوء الأصفر القابل ليصبح أخضر في اللحظة المناسبة.
ad
من هنا، يفترض مؤيّدو فرنجية انّ المقاربة السعودية للاستحقاق الرئاسي إيجابية ويُبنى عليها، وهو الأمر الذي زادهم تمّسكاً به، على قاعدة انّ فرصته باتت اكبر مما كانت قبلاً، واستطراداً لا يوجد أي مبرّر للتخلّي عنه والبحث في مرشح آخر كما يقترح الطرف الآخر.
وربطاً بهذا الاستنتاج، يؤكّد القريبون من الثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» أنّ سليمان هو الخطة «أ» وفرنجية هو الخطة «ب»، خصوصاً انّ الظروف المحلية والخارجية تصبّ في خانة تعزيز أسهمه.
ويلفت المطلعون على موقف «حزب الله» إلى أنّ الحزب سيتصرّف مع فرنجية كما فعل مع عون حين كان مرشحاً إلى الرئاسة لناحية منحه كل الدعم المطلوب حتى يصل او يختار هو الانسحاب، «علماً انّه يقف على أرض صلبة تسمح له ولحلفائه بالصمود».
ووفق العارفين، تبدي قيادة الحزب تقديرها لسلوك فرنجية عام 2016، عندما تفهّم قرارها بالثبات على تأييد عون، ولم يشارك في الجلسات النيابية الانتخابية آنذاك، على رغم انّه كانت لديه في مرحلة ما الأكثرية الضرورية للفوز.
ويتوقف المرتاحون إلى تقدّم فرص فرنجية عند المواقف الأخيرة لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، لافتين إلى انّها انطوت على شيء من «إعادة الانتشار»، عندما ترك نافذة مفتوحة، ولو صغيرة، أمام احتمال إنخراطه في تسوية حول فرنجية، بتأكيده انّ المشروع أهم من الشخص، وانّه إذا تمّ الاتفاق عليه، لا تعود هناك مشكلة في هوية الرئيس.
وتبعاً لحسابات المتفائلين، فإنّ فرنجية سيقترب كثيراً من بعبدا متى وافق وليد جنبلاط على انتخابه، لأنّ الـ 65 صوتاً ستغدو متوافرة حينها، ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على القوى المسيحية التي لن تستطيع أن تتحمّل طويلاً مسؤولية عدم تأمين النصاب وإبقاء الشغور في الموقع المسيحي الأول داخل الدولة.