هل هو حظٌّ سيئ أم تجمُّع معطيات، يجعل رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه في وضعٍ غير مريح، نيابياً ووزارياً؟ وبالتالي هل يكون لهذا الواقع تأثيرٌ على الإمتحان النيابي في أيار المقبل؟ وتالياً على الاستحقاق الرئاسي في تشرين الأول؟
لم تكن قضية وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي سهلة على رئيس تيار المردة، ووضعته بين خيارات أحلاها مر:
فلو تساهل وسهَّل عملية استقالته، لكان وقعَ في حرجٍ مع حلفائه الاستراتيجيين: الرئيس السوري بشار الاسد، والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.
ولو تشدد في رفض الاستقالة، لكان وقع في تباعدٍ مع المملكة العربية السعودية التي يستذكِر دائماً العلاقة الجيدة التي كانت سائدة بين جدِّه الرئيس الراحل سليمان فرنجيه وملوك المملكة منذ العام 1970 حين انتُخِب رئيساً للجمهورية.
لكنه، استطاع ان يخرج من “لغم قرداحي” بأقل شظايا ممكنة.
رفض أن يجيِّرها لرئيس الجمهورية “لئلا يبيعها فخامته للمملكة” كما صرح، كما رفض ان يعيِّن بديلاً من قرداحي، كأنه كان يقول: “مشيت باستقالته على مضض”.
يُدرِك فرنجيه ان انخفاض حصته الوزارية من وزيرين اثنين إلى واحد لا ينتقص من حضوره داخل الحكومة، فوزراء حلفائه، من “حزب الله” إلى حركة أمل، يعتبرهم كأنهم وزراؤه، تماماً كما جوني القرم، من دون ان ننسى ان الرئيس ميقاتي حليفٌ دائم لفرنجيه حتى ولو تباينت مواقفهما في بعض المراحل، لأن “رفقة الدرب” بينهما ابلغ من بعض التباينات.
فرنجيه اختار وزيريه في الحكومة من كسروان وليس من زغرتا أو الكورة، كما كان يحدث في حكومات سابقة، لجأ إلى هذا الخيار لإعطاء انطباع أن تياره عابر للمناطق، وأن له في “عرين الموارنة”، كسروان، ما لغيره من زعماء الموارنة وقادتهم. لكن هذا الخيار سرعان ما شهد تحدياً قاسياً في ظروف غير ملائمة، فالوزير قرداحي طار من الحكومة، وحياته السياسية كانت قصيرة جداً، والحليف الشيخ فريد الخازن ليس في وضع مريح، يقول قريبون منه أنه يتعرض لحملةٍ شرسة من التيار الوطني الحر، وبدرجةٍ اقل من القوات اللبنانية، والمعركة برأي هؤلاء هي معركة “حواصل” في كسروان، فلا احد مرتاح في هذا القضاء “العاصي” فعلاً، و”سيدة حريصا” لن تدور لمصلحة أحد كما أوهموا الناخبين في انتخابات 1968.
في كل البيوتات السياسية في كسروان، يرفع الجميع “اصابعهم الخمسة” فيقولون بما يشبه الحسم:
القوات ستحتفظ بمقعدها، سيؤول مقعد التيار إلى الوزيرة السابقة ندى البستاني، نعمت افرام سيسترد مقعده، الشيخ فريد الخازن يُشيِّع انصاره ان الحرب عليه ستجعل معركته صعبة جداً، من دون ان يعني ذلك انه غير قادر على الإحتفاظ بمقعده. يبقى المقعد الخامس، فمَن سيؤمِّن حاصلاً خامساً؟ المروحة واسعة.
عنوان المعركة في كسروان، صحيح انه يُعطى بعداً سياسياً، لكنه في نهاية المطاف لا يتعدى كونه بعداً خدماتياً، فالسياسة في كسروان تخرج من عباءة بكركي وليس من نوابها الخمسة، أياً تكن مواقعهم.
يُدرِك سليمان فرنجيه هذه الحقيقة، ويحاول البقاء قريباً من بكركي، إما مباشرة وإما عبر حليفه الشيخ فريد، حارس الصرح، وهو يدرِك ايضاً أن معركة حليفه الكسرواني ليست نزهة لأنه يواجه اكبر حزبين مسيحيين وطاقة مؤسساتية ومالية هائلة هي “عديله” نعمت افرام، فهل يقوى على خرق هذا المثلث الصلب؟
تبدو الانتخابات النيابية وكأنها “الجولة الأولى” للإنتخابات الرئاسية، يعرف سليمان فرنجيه هذه الحقيقة جيداً لذا فإنه يحسب “لخطواته الكسروانية” ألف حساب.