تتسارَع التطورات في الشأن الرئاسي بوتيرة لافتة يحكمها عامل أساسي هو نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي لا تحتمل، وفق الاجندة الاميركية، أي تأخير في تعيين خلف له في اعتبار انّ الرقابة المالية الاميركية على حركة رؤوس الاموال في لبنان هي من الاهمية بمكان بالنسبة الى واشنطن.
بالاضافة الى ذلك باتَ من المؤكد ان الموقفين الاميركي والسعودي متطابقان لجهة وجوب إجراء انتخابات رئاسية من دون الاخذ في الاعتبار اسم الرئيس المنتخب وإنما هو الاستحصال على ما يريدان، ولكن مقاربتهما لهذه المسألة تكون من خلال الرئيس القادر على توفير الضمانات لتحقيق أهدافهما.
فالهدف الاميركي يتجلّى بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان واستمرار ترسيم الحدود البحرية والبرية في الجنوب. امّا الهدف السعودي فيتجلى في أن يكون لبنان مستقراً لا يعكّر صفو المهمة الكبرى التي يضطلع بها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، والتي تتجلى بتحقيق «اوروبا الجديدة» في الشرق الاوسط، على حد توصيفه.
اما الموقف الفرنسي فهو الاداة العملية لتنفيذ هاتين الرغبتين الاميركية والفرنسية، وتطمح فرنسا من خلالها الى تعزيز دورها الشرق أوسطي كموطئ قدم بعدما فقدت نفوذها في افريقيا، وهي تسعى ببراغماتية عالية الى تسويق ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية استناداً الى انه المرشح الاكثر قابلية للانتخاب، وبذلك يستكمل فرنجية التأييد الدولي له وكذلك التأييد الاسلامي في لبنان لِترمى العقدة المسيحية في وجهه.
واذا ما عدنا الى التاريخ يتبيّن ان كل سياسي ماروني هو مشروع رئيس جمهورية، وبالتالي ان ما يحصل اليوم في مواجهة ترشيح فرنجية ليس بغريب على رغم من جدية الاعتراض عليه، لكن هذا الاعتراض بمجمله غير مبني على اسس ثابتة أوّلها عدم إجماع المعارضين على مرشح واحد في وجه فرنجية، ليبقى الامر مجرد اعتراض سلبي مبني على تقاطع مفاده انّ فرنجية اذا وصل الى سدة الرئاسة سسيحجب الصورة عن الزعماء الموارنة نظراً الى حنكته وطبيعته ومرونته ومظلوميته التاريخية، الى حد انّ أحداً من هؤلاء الموارنة قال في مجالسه «انّ فرنجية اذا وصل الى السدة الرئاسية يكشفنا».
ويرى المتابعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي ان الاتجاه العملي اليوم يكشف في طريقه تصرف هؤلاء المعارضين في المرحلة المقبلة، فهل يجتمعون على مرشح واحد ينافس فرنجية شاهرين في وجهه سيف الطائفية؟ أم يبقون على ما هُم عليه مجموعة حالات من الرفض والتعطيل والانتحار؟ إلا انّ هناك من يرجّح عدم توصّلهم الى قاسم مشترك، وذلك للاسباب الآتي ذكرها:
أولاً – مراعاة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لـ»حزب الله» ورغبته في الحفاظ على علاقة معه في المستقبل لأنّ التطورات التي تشهدها المنطقة جعلته يقتنع اكثر بخطورة الذهاب في الخلاف مع «الحزب» الى النهاية، وما تقاطعه مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع على اسم مرشح سوى إعلان حرب وتطويق ومحاولة عزل لـ»حزب الله» تلاقي الخارج في منتصف الطريق.
ثانياً – انّ اي مرشح يطرحه باسيل ويكون مؤثراً فيه او رئيس ظل له، سيرفضه جعجع حتماً، وإلا سيكون مناقضاً لذاته وخطابه ويكون باسيل بذلك قد جرّه الى «بيت الطاعة» العوني ـ الباسيلي بعد الخلاف الكبير الذي دار بينهما على مدى ست سنوات.
ثالثاً – ان اي مرشح، وإن تقاطَع عليه كل من «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» يجب ان يمر، بهدف المصادقة عليه، على كل من الصيفي والمختارة وحارة صخر وزغرتا وطرابلس وبيروت وكثير من المدن اللبنانية، وإلا إعتُبر هذان الطرفان بمثابة القيادة الفعلية لمجموع المعارضة، فمَن مِن المعارضين سيتحمّل قرارات باسيل التي تأخذ في الاعتبار فقط حفظ الثنائية المسيحية ليس إلّا ؟…
رابعاً – يقال ان ابرز الاسماء المتداولة «تياريّاً» و»قواتيّاً» اليوم هو اسم الوزير السابق جهاد ازعور، فإن صحّ هذا الامر يكون جعجع قد ذهب الى «بيت الطاعة» الباسيلي ودفعَ رأس ماله السياسي بهدف الاطاحة بفرنجية من دون ان يلتفت الى القراءة السعودية لمواقفه وتداعياتها. كما انّ باسيل في هذه الحال يكون قد قطع «شعرة معاوية» مع «حزب الله» الذي أبلغَ الى أزعور منذ زمن، بعد تردّده الى الضاحية الجنوبية لبيروت مرات عدة، ان لا حظوظ رئاسية له، فهل هناك من يصدّق في ضوء التقارب السعودي ـ الايراني والسعودي ـ السوري أنّ كلّاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان يمكن ان يكونوا ذو ميول سياسية واحدة؟ وهل خسر «حزب الله» فعلاً لكي نكون امام هذا السيناريو؟
خامساً – انّ هذا السيناريو، وإن كان هناك من يعمل عليه، ستطيحه القمة العربية التي ستنعقد في جدة بعد ايام وسيكون الرئيس السوري بشار الاسد في عداد المشاركين البارزين فيها، بحيث تكون العلاقات اللبنانية ـ السورية جزءاً اساسياً في عملية تقوية سوريا التي يؤمن بها عملياً واستراتيجياً ولي العهد السعودي، فهل يعقل ان يسقط حليف الأسد الأول في لبنان بضربةٍ أقل ما يمكن ان يُقال فيها إنها «رَخوة»؟
ولذا، يقول المتابعون للاستحقاق انّ كل المعطيات والتطورات تؤكد انّ فرنجية واثق الخطوة يمشي رئيساً.