IMLebanon

هؤلاء أحصنة طروادة فرنجية… لاختراق “الحصار المسيحي”

 

يُحاول كل رئيس جمهورية بناء حيثية شعبية وزعامة تمتدّ إلى ما بعد انتهاء ولايته ليدخل نادي زعماء الموارنة. وإذا كانت تجربة الرئيس كميل شمعون سجّلت النجاح الأعلى، إلا أنّ بقية التجارب اقترنت بالفشل، إلّا إذا كان الرئيس في الأساس زعيماً مارونياً.

 

يواجه ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رفضاً مسيحياً عارماً وقد يكون إستثنائياً. وعندما رشّحه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في خريف 2015، لم ينل يومها دعم تكتل «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، لكن كان هناك بعض النواب المسيحيين المؤيدين له إضافةً إلى عدد لا بأس به من المنضوين تحت جناح كتل «المستقبل» والحزب «التقدمي الإشتراكي» وحركة «أمل» و»حزب الله» والحزب «السوري القومي الإجتماعي».

 

وتختلف الوضعية اليوم عن 2015، فكتل «القوات» و»الكتائب» وحركة «الإستقلال» و»التيار الوطني الحرّ»، والنواب المسيحيون سواء كانوا مستقلّين أو تغييريين، جميعهم في الخندق المواجه لفرنجية. ولم ينل الأخير سوى دعم تكتّله «المركّب» والبالغ عدد نوابه أربعة، إضافةً إلى النائب ميشال موسى، أي أنّ 59 نائباً من أصل 64 نائباً مسيحياً يعترضون على وصول فرنجية.

 

وأمام انغلاق الأفق المسيحي، يُراهن فرنجية على رضوخ الجميع لقوة «حزب الله» وتزكية رياح التسوية الإقليمية لإسمه، وهناك بحث جدّي لمواجهة القوى المسيحية إذا ما وصل إلى بعبدا. لم يستطع فرنجية التمدّد خارج الشمال المسيحي في عزّ الدعم السوري له، وعلى رغم اتكاله على «تسونامي» العماد ميشال عون العائد عام 2005 من المنفى، لم ينجح في توسيع انتشاره، وأغلق تيار «المرده» المكاتب التي فتحها في جبل لبنان لأن لا وجود لحزبيين هناك.

 

وأتت الضربة الكبرى في انتخابات 2022: فمن أصل 3 نواب في زغرتا فاز فرنجية بمقعد واحد لنجله طوني، ما أفقده صفته التمثيلية الواسعة. ولهذا سعى «حزب الله» والرئيس نبيه برّي لـ»نفخ» كتلته بضمّ كل من النواب: وليم طوق، فريد الخازن وميشال المرّ إلى صفوفه.

 

من هنا، ينصبّ عمل «الثنائي الشيعي» وفرنجية على تعويم شخصيات من البيئة المسيحية بما تبقّى من خدمات في الدولة لتخترق الأقضية المسيحية وتشكّل رافعة للعهد إذا ما وصل فرنجية إلى بعبدا، ولكي تقف في وجه «القوات» و»التيار» وبقية الأحزاب والقوى المسيحية بعد فشل تيار «المرده» في خوض هذا الإستحقاق بالمباشر وانتشاره خارج قضاء زغرتا.

 

ويُعتبر قضاء المتن أكبر الأقضية المسيحية، لذلك يُراهن فرنجية على النائب ميشال الياس المرّ، كون آل المرّ شكّلوا زعامة تقليدية بلغت ذروتها في المرحلة السابقة، ولديها ما يكفي من موظفين في القضاء والعسكر والإدارات والبلديات، وسط مقولة أنّ «المسيحي يمشي مع رئيس الجمهورية» وأنّ شبكات المصالح ستعود إلى من يملك السلطة. وهذا ما يُفسّر هذه الإستدارة «المرّيّة» بعدما كانوا رأس حربة في مواجهة مشروع «حزب الله» وتحولوا إلى أكثر الساعين لوصول مرشح «الحزب»، أي فرنجية، إلى بعبدا.

 

وفي بعبدا، حاول «المرده» التمدّد لكنه فشل، ولذلك يتّكل على حراك بيار بعقليني الذي كان «كتائبياً»، وذلك لدعم رئيس حزب «وعد» جو إيلي حبيقة ظناً منه أن الأخير يستطيع الوقوف في وجه «القوات» و»التيار» و»الكتائب» نظراً إلى شرعية والده السابقة.

 

أمّا كسروانياً، فالحصان الرابح هو فريد هيكل الخازن، وستنصبّ كل الجهود عليه، إضافةً إلى دخول «مرديّ» بالمباشر من أجل السيطرة على الكازينو، المؤسسة التي «تبيض ذهباً» ومن خلالها يمكن تأمين الخدمات المطلوبة وتمويل الشخصيات التي ستتصدى للقوى المسيحية.

 

وبالنسبة إلى جبيل، يُحكى عن دعم للنائب السابق ناظم الخوري، الذي يستطيع حسب تقديرات مؤيدي فرنجية، تشكيل نواة زعامة محلية نظراً إلى أدواره السابقة، وبإمكانه ضرب حضور النائب السابق وليد خوري وسحب جزء من الناخبين من درب النائب زياد حواط عبر إحياء المنافسة بين زعامة عمشيت وجبيل.

 

ولا تقف محاولة إختراق الزعامات المسيحية عند حدود جبل لبنان، بل وصلت إلى زحلة عبر توطيد العلاقة مع رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف في محاولة لإحياء زعامة آل سكاف وتشكيل رافعة زحلاوية لفرنجية.

 

وبالعودة إلى الشمال، سيُبقي فرنجية على دعمه للنائب وليم طوق لكي يقف في وجه «القوات» في بشري، وسيدخل «المرده» بالمباشر في الكورة وزغرتا. ويحاول فرنجية مدّ جسور مع النائب السابق سامر سعادة في البترون من دون أن تنجح محاولاته حتى الساعة، في حين يبقى آل الراسي خيار فرنجية الأول في عكار.

 

يحقّ لأي طامح فعل ما يريد وهذا حقّه، لكن التجارب علّمت أنّ «الهوى المسيحي» لا يتبدّل بالمال والخدمات، وأكبر دليل هو سقوط كل محاولات الرئيس فؤاد شهاب تشكيل زعامة في انتخابات 1968 عندما «برمت» سيدة حريصا وفاز الحلف الثلاثي. وفي زمن الإضطهاد المسيحي، سقطت كل محاولات الرئيس الياس الهراوي لبناء زعامة شعبية ترتكز على الأقارب والمقربين، وبقي العصب المسيحي مع «القوات» التي سُجن قائدها الدكتور سمير جعجع و»التيار» بعدما نُفي العماد ميشال عون، و»الكتائب» التي حاولوا «تفريعها».

 

ولم تكن تجربة الرئيس إميل لحود مشجعة، على رغم انتخابه بمباركة إقليمية ودعم شعبي وعلاقته المباشرة بالرئيس بشار الأسد، فسقطت كل الزعامات التي حاول بناءها وأولاها في المتن، وعاد المسيحيون إلى مناصرة الأحزاب والتيارات المضطهدة، حتى في عزّ سيطرته سقطت مرشحة العهد ميرنا المرّ في الإنتخابات الفرعية في وجه مرشح «قرنة شهوان» غبريال المرّ على رغم كل محاولات «الزعبرة» التي حصلت.

 

ومعروف عن فرنجية إطّلاعه الجيّد ومعرفته بتفاصيل الحياة السياسية، لذلك فقد يكون على علم أنّ محاولات خلق زعامات بديلة ستسقط حكماً مثلما حصل أيام الإحتلال السوري، وبالتالي هو من أحد الأشخاص الذين فقدوا ذاك الدعم وتراجعوا وتحوّلوا من أهم حكّام البلد إلى قوة مناطقية ليست الأولى.