تدرّجت الأحداث السياسية مع انتهاء عهد العماد ميشال عون، بحلول الفراغ الرئاسي، ومن ثمّ بقاء الحكومة غير كاملة الأوصاف وتصرّفها كأنها حائزة ثقة المجلس النيابي في فرضها سلوكيات مستحدثة، وصولاً الى شغور المواقع المارونية، بدءاً بحاكمية المصرف المركزي وترجيح تكرار السيناريو نفسه في قيادة الجيش.
مع كل الثقل الذي يضعه ذلك على الواقع السياسي، وصل تدحرج الأحداث أخيراً الى طرح أفكار تتعلق بموقع حزب الله في المعادلة السياسية الكبرى، وتداول طروحات سياسية تتعلق بالنظام وبمستقبله، وسعي الحزب الى تكريس وقائع جديدة ربطاً بتسوية شاملة تتعدى الشغور الرئاسي. هذا كله يضع حزب الله في الواجهة. لكنه يضع كذلك مرشح الثنائي الشيعي، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في خانة ملتبسة تتعلق برؤيته لكل هذا الواقع المستجد منذ ثمانية أشهر، وما يحمله من انعكاسات ليس لبنانياً فقط، بل مارونياً كذلك. فهل هو قادر على تحمل أعباء المواجهة السياسية القائمة حالياً والطروحات المتداولة وخوض حزب الله المعركة نيابة عنه؟ فيما يتوقع أن يتعرّض الرئيس المقبل، إذا كان فرنجية افتراضاً، لضغط ما يحصل في الأسابيع الأخيرة وما سيجرّه الوضع في ضوء شغور المواقع المارونية الأولى؟
قبل أن يعلن الثنائي علناً ترشيح فرنجية، وعندما كان الفراغ حديث العهد، جرى حوار بين حزب الله والبطريركية المارونية، وكان اسم فرنجية متداولاً من دون تبنٍّ رسمي، في هذا الحوار طرح الحزب على البطريركية إقناع فرنجية بالانسحاب، لكن بكركي رفضت الدخول في هذا المنحى، وفضّلت الابتعاد عما كان يمكن أن يشكل صراعاً مارونياً داخلياً.
تبنّى الحزب ترشيح فرنجية، ودخل في مرحلة ثانية، تكرست فيها مواجهته مع القوى المسيحية على قاعدتين، الأولى الدعوة الى حوار مسيحي – مسيحي للاتفاق على مرشح واحد، وهذا ما حصل، والثانية دعوة المعارضة الى الاتفاق على مرشح واحد وهذا ما حصل أيضاً. لكن في الحالتين، قفز الثنائي فوق الدعوتين، وانتقل الى مرحلة ثالثة لا تزال عناصرها مبهمة. هذا يعيد في نظر معارضي الحزب الوضع الى سيناريو مشابه لما حصل في الثمانينيات حين أصرّ العماد ميشال عون على البقاء في قصر بعبدا، بقوة الأمر الواقع، ما أدى الى اتفاق الطائف وكل ما تبعه من أحداث شكلت منعطفاً فاصلاً بين مرحلتين تاريخيتين.
اليوم، يكرر حزب الله مع تمسكه بفرنجية الواقعة نفسها بعناصر مماثلة، يمكن أن تؤدي الى اتفاقات بنيوية وليست ترتيبات ظرفية تتعلق بتسوية محدودة تأتي برئيس للجمهورية. فما حصل مع عون، يتكرر اليوم مع التشبث بفرنجية من دون الأخذ في الاعتبار أيّاً من المكوّنات الأخرى ولا تفاهماتها، ما يضع احتمالات مشابهة لمنحى الثمانينيات. وعلى طريق الوصول الى هذا المنعطف، تكرس الأحداث الداخلية تسيير الثنائي لأمور الحكومة بمعزل عن الشغور الرئاسي، والتعامل مع الشغور في وظائف الفئة الأولى، بعيداً من حقوق الطوائف والقوى السياسية المعنية. وكل ذلك يقود الى مرشح الثنائي الرئاسي. من الظلم أن ترمى مسؤولية المواجهة بين القوى المسيحية، والمعارضة ككل، مع الثنائي على عاتق فرنجية. لكن من الصعب على معارضي الحزب في الوقت نفسه تخطّي أنّ ثمّة تبعات، يفترض بالمرشح الذي يتشبّث به حزب الله أن يتحمّلها، وخصوصاً متى اقتربت القضية من جوهر النظام وما يرافقه اليوم من طروحات، ناهيك عمّا يحصل من إمعان الحكومة في ضرب الموقع الرئاسي، وما سيحصل في موقعَي حاكم المصرف المركزي وقيادة الجيش، وهما لا يشبهان في تأثيرهما المالي والعسكري والأمني موقع المديرية العامة للأمن العام مع الأهمية التي تشكلها. وإذا كان الثنائي يحاول وضع المعادلة نفسها على مرشح المعارضة والتيار الوطني الحر، فإن ما يميّز مرشح الثنائي هو الاتّكاء على فرضية أنه أحد القادة الموارنة الأربعة الذين طوّبتهم بكركي سابقاً، لتكريس أحقيّته كمرشح، وهذا يضاعف من حمله، إذ يضعه في مواجهة القوى المسيحية الأخرى، لكن بشعارات وطروحات حزب الله الآتي الى موقعة رئاسة الجمهورية من منطلق مغاير. فكلما طال وقت الشغور واحتدمت سبل المواجهة مع المعارضة أولاً ومع التيار ثانياً، تفتّقت على الطريق عناوين جديدة، لا صلة لها برئاسة الجمهورية كعملية انتخابية. وهي مرشحة لأن تأخذ أشكالاً أخرى مع مرور الوقت عبر أجندة سياسية، من شأنها أن تضع علامة استفهام كبرى حول مرشح الحزب وقدرته على التمايز بين مشروعه الرئاسي ومشروع الثنائي المتفلّت من الأطر الرئاسية، ما يشكّل ثقلاً كبيراً في أن يحمل المرشح الرئاسي عبء هذه المواجهة التي لا يخوضها بنفسه، وستكون لها تبعات مستقبلية على وضع القوى المسيحية جميعها من دون استثناء في أي مقاربة مطروحة للنظام.