تحلّ يوم الأربعاء المقبل في 12 الجاري، الذكرى الـ17 لحرب تموز التي وقعت في العام 2006. فقد أطلق «حزب الله» على تلك الحرب عنوان «الوعد الصادق»، ما أدى إلى تحرير سمير القنطار من السجون الإسرائيلية. وفي السياق نفسه، يقارن كثيرون، وبينهم إعلاميون مستقلون، ترشيح الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية بـ»الوعد الصادق». وهذا «الوعد» بالنسبة لنصرالله قائم كي يصبح فرنجية رئيساً للبنان.
ربما يبدو الأمر غريباً كلياً بالنسبة إلى العالم في لبنان وخارجه، أن ترتقي الوعود على أنواعها إلى مرتبة القداسة. لكن مثل هذه الغرابة تتحول إلى أمر مألوف في بيئة «الحزب» وفي البيئات الموالية. حتى أنّ أحد الخبراء يروي قصة «الوعد الصادق» عندما كان مرتبطاً بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ففي زمن الشغور الرئاسي عام 2014، حاول قادة سياسيون، بينهم رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري العمل على تسويق ترشيح فرنجية في موسكو باعتبارها حليفة لطهران.
ويضيف صاحب هذه الرواية أنّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، تولّى هذه المهمة لدى الإيرانيين. لكن هذه المهمة، كما خلصت هذه الرواية إلى القول، انتهت إلى الفشل. والسبب يعود إلى أنّ دوائر القرار في الجمهورية الإسلامية أبلغوا حلفاءهم الروس، أنّ «نصرالله أعطى كلمة لعون ولن يتراجع عنها».
يحتاج المرء إلى كثير من الجهد كي لا يصدق مروية «الوعد الصادق». فقد جاء البرهان الأول على صحتها في حرب تموز 2006 عندما أعلن «الحزب» بعد أهوال الحرب «النصر الإلهي». ولم يطل الوقت بعد ذلك، حتى أطلقت إسرائيل في صفقة تبادل الاسرى القنطار. ومن يعد إلى أرشيف تلك المرحلة، يتبيّن كم كان «الحزب» مزهواً إلى درجة الغليان بإنجازه «الوعد الصادق» في تلك الحرب.
أمّا البرهان الثاني، فجاء في نهاية تشرين الأول عام 2016 عندما انتخب مجلس النواب زعيم «التيار الوطني الحر» رئيساً للجمهورية. وأتى إنتخاب العماد ميشال عون بعد فراغ في سدة الرئاسة الأولى إستمر عامَين و5 أشهر. وكاد نصرالله بعد انتخاب عون أن يفعل ما فعله عام 2006 عندما خرج من مخبئه الحصين بعد إطلاق القنطار من سجنه الإسرائيلي، وتوجه الأخير إلى «ملعب الراية» في الضاحية الجنوبية لبيروت. إذ أقيم هناك تجمع بلغ ذروته من حيث الحشد للاحتفاء بالقنطار، وكان نصرالله في مقدمة المحتفين. أمّا في العام 2016، فقد اختلفت الظروف لجهة أخذ إجراءات الحيطة والحذر بالنسبة لنصرالله.
وفي انتظار البرهان الثالث حول صحة وعد نصرالله لفرنجية ببلوغ قصر بعبدا، هناك شواهد يومية على عزم «الحزب» أن يكون وعده الجديد «صادقاً». ومن يتابع سيل مواقف الصف الأول من قادة هذا التنظيم يلاحظ، أنّ دعوات هؤلاء إلى الحوار حول الانتخابات الرئاسية تقترن دوماً بالتذكير بمرشحهم فرنجية.
من المفيد التذكير، إن نفعت الذكرى، أن حرب تموز 2006 كلفت لبنان أثماناً هائلة في البشر والحجر، علماً أنّ القنطار قضى نحبه لاحقاً في غارة إسرائيلية على دمشق.
أمّا انتخاب عون عام 2016 وأعوامه الرئاسية الستة، فكادت أن تؤدي إلى أن يقضي لبنان نحبه.
اليوم، الله يستر لبنان من «الوعد الصادق» في نسخته الثالثة!