كتب د. قصي الحسين:
بعد وصول الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وزير الخارجية، وإجتماعه برئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، فيمن اجتمع بهم من السياسيين اللبنانيين وغير اللبنانيين، وعودته السريعة إلى باريس، يكون لبنان قد انتقل على وجه التفاؤل والترجيح، من مرحلة مقاطعة فرنجية، إلى مرحلة السباق على فرنجية. وصار المشتغلون على الملف الرئاسي، من فعاليات ومراقبين ومهتمين وإعلاميين، يتحدثون عن خرق ما في جدار الأزمة الرئاسية.
هناك معطيات إيجابية كثيرة، تصبّ في هذا الإتجاه. وهي تتمحور حول الحراك الذي يقوم به رئيس التيار الوطني الحر، الوزير السابق جبران باسيل، مع «حزب الله»، بشخص أمينه العام، سماحة السيد حسن نصرالله، الذي يرشح رئيس تيار المردة، الوزير السابق الأستاذ سليمان فرنجية للرئاسة. وهو يقوم بحملة وطنية وعربية وإقليمية واسعة لتأييده. وجميع المراقبين لهذا الحراك، يتحدثون بتفاؤل عن الخرق، في جدار مقاطعة فرنجية، وعن قرب الإعلان، بدلا من ذلك، عن تقاطع التيار الوطني الحر وحزب الله، على ترشيح فرنجية.
فقد خرج الموفد الفرنسي، من اجتماعاته التي أجراها داخل الغرف المغلقة، أن الوزير باسيل، لم يعد على صورته القديمة، وأنه يراخي من الحبال التي كانت مشدودة، وانه في صدد سلوك مسار الليونة، التي تبدأ بالتفاهمات على الرئاسة من جديد، والتخلّي عن المحرّمات، وكذلك عن لغة الفيتوات. وهذا بحد ذاته مدعاة للتفاؤل بقرب الوصول على إسم فرنجية، بدل الأسماء الأخرى التي سمّاها سابقا، أو بدل إسم الأستاذ جهاد أزعور، الذي صار التقاطع عليه مؤخرا، مع حزب القوات اللبنانية.
هذا المناخ الجديد، ربما كان وراء تهدئة الخواطر، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد، في ظل الإحتباس السياسي والرئاسي، والتحسس من الحرائق المشتعلة في غير مكان من العالم، تلك الأمكنة التي كثيرا ما تشبه في أوضاعها المأزومة، الوضع اللبناني المأزوم، وتتشابه معه.
هذه النسائم التفاؤلية، التي شعر بها الموفد الفرنسي وتحسّسها، نفسه بنفسه، وصلت إلى معراب، فأرخت بظلها على اللقاءات والاجتماعات والمفاوضات والتفاهمات، وتركت بصماتها القوية عليها. وربما تكون القوات اللبنانية قد خشيت، من الأخبار التفاؤلية المسرّبة، من هذه الجهة الداخلية أو تلك، ومن هذه الجهة الخارجية أو تلك.. وخشيت أكثر، من تطويع جبران باسيل، بحيث تصبح مأسورة وحدها على الإنغلاق الرئاسي، خصوصا، إذا ما سلك تطويع المعارضين، إسما إسما، وحزبا حزبا، وكتلة كتلة. ولهذا ربما، بدأ تسريب الأخبار ذات الروح التفاؤلية، عن أن القوات اللبنانية، ليست في صدد تبنّيها لمواقف متخشبة. وإنما هي، على أقصى الدرجات من الليونة. فأخذ المشتغلون بالإنتخابات، يفسرون القول بالليونة، على أنه خروج عن رفض مقاطعة سليمان فرنجية، بل إنه من الممكن أن تتقاطع عليه.
ويضيف المشتغلون بالملف الرئاسي، أنه يمكن لاحقا، أن نرى تغيّرا في مواقف حزب الكتائب. فهو لم يعد من الصقور، بل صار من الحمائم. والتفاهم معه على إسم فرنجية، إنما هو أسهل بكثير من التفاهم مع سمير جعجع وباسيل. فلا خصومات حزبية بين الطرفين، ولا خصومات شخصية، والعلاقة بين رئيس تيار المردة ورئيس حزب الكتائب، كما تشي صورتها العامة، إنما هي علاقة نقيّة إلى أبعد الحدود.
في المشهد الإشتراكي الجديد، بعد وصول الرجل الشاب، الأستاذ المجدّد تيمور بك جنبلاط، إلى رئاسة الحزب، يراهن الضالعون في الإنتخابات الرئاسية، إنه في صدد بناء علاقات تفاهمية جديدة مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية، وهو ليس في وارد مقاطعة أحد، بل هناك ليونة جديدة ستظهر قريبا، في جميع المواقف التي سيسلكها، وهي حتما ستنعكس على الإنتخابات الرئاسية. ولا يحتاج الأمر إلّا إلى مزيد من الوقت، وربما إلى مزيد من التشاور، داخل الحزب وخارجه. لأن تيمور بك، عازم على أخذ الأمور بروح ديمقراطية، لا بروح رئاسية. وهذا أيضا لمما يرجّح كفّة التفاؤل بالتقاطع على فرنجية، أكثر بكثير من مقاطعته.
غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، «وفي نفسه شيء من حتى». وهو كان على درجة عالية من التفاؤل بقرب الحل الرئاسي، ولكن ليس اليوم، بل في أوائل الخريف، ريثما تنتهي موجة الحر والحرائق، أو أن تأخذ طريقها إلى الإنتهاء، وينجو لبنان من الإحتباس الرئاسي.
* أستاذ في الجامعة اللبنانية