ما بين المراوحة الفرنسية والزخم القطري المتجدّد بعد اجتماع الخماسية «الملتبس»، يستمر الاستحقاق الرئاسي معلّقاً على خارج يستفيد من عجز القوى الداخلية لخدمة مصالحه وتوسيع دوره، فيما تتعدّد الترجمات المحلية لرسائل الموفدين وإشاراتهم.
ضمن هذا الإطار، راجت في الآونة الأخيرة تكهنات باحتمال ان يبادر رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من تلقاء نفسه إلى الانسحاب من المعركة الرئاسية، وفتح الباب أمام البحث في خيار وسطي.
واستند مروجو هذه الفرضية إلى قراءتهم وتفسيرهم لحصيلة الجولة الأخيرة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان على القيادات السياسية، التي نقل بعضها عنه، انّه أعطى إشارات واضحة خلال مداولاته، إلى انّ معادلة سليمان فرنجية – جهاد أزعور انتهت، وانّه يجب التحاور او التشاور من أجل التفاهم على مرشح آخر، يستطيع الاستحواذ على الأكثرية النيابية التي تسمح بانتخابه.
وذهب آخرون إلى الاستنتاج، بأنّ الثنائي حركة «امل» و«حزب الله» بات مستعداً للنزول عن شجرة دعم فرنجية والتفاوض حول اسم آخر، وصولاً إلى ربط اللقاء الأخير بين رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون بمرونة مستجدة لدى الحزب في مقاربة الاستحقاق الرئاسي.
لكن التدقيق في الحقائق السارية المفعول، أقلّه حتى الآن، يبيّن انّ فرنجية لا يزال ثابتاً عند ترشيحه، وليس في وارد التزحزح عنه، وانّ حلفاءه لا يزالون يتمسكون به وليسوا في صدد المساومة عليه.
وتؤكّد شخصية واسعة الاطلاع ضمن فريق 8 آذار، انّ «توقّع البعض انسحاب فرنجية هو كحلم إبليس في الجنة»، لافتة إلى انّ الترويج لهذا الأمر «ليس سوى نوع من البلطجة السياسية ولا يوجد أي أساس له».
وتلفت تلك الشخصية، إلى انّ «مقومات ترشيح فرنجية تختلف اصلاً عن حيثيات ترشيح جهاد أزعور، وبالتالي فإنّ معادلة استبعادهما معاً لإفساح المجال أمام غيرهما هي غير سوية».
وتشير الشخصية إيّاها إلى انّ فرنجية هو «زعيم ماروني أباً عن جد، وصاحب برنامج سياسي اقتصادي متكامل، وبنبثق من قاعدة شعبية، ومدعوم من كتلة نيابية صلبة ومتماسكة، كما أظهرت جلسة 14 حزيران الانتخابية. في حين انّ أزعور ليس سوى نتاج «علاقة عابرة» سياسياً بين مجموعة قوى تختلف على كل شيء، ولا يجمعها سوى تقاطع ظرفي ومصلحي، غايته إسقاط فرنجية فقط، لا غير».
وتضيف: «بناءً عليه، لا تصح المساواة بين الترشيحين ووضع مصيرهما في كفة واحدة».
وتتساءل الشخصية عن الجدوى او المغزى من طرح المرشح الثالث، ما دام انّ هناك تسليماً بأنّه يحتاج، لكي يتمّ انتخابه، إلى موافقة «حزب الله»، واستطراداً إلى منحه ضمانات بعدم طعن المقاومة والغدر بها، «فلماذا يكون هذا المرشح مقبولاً إذا فعل ذلك، بينما يُرفض فرنجية في المقابل بحجة انّه قريب من الحزب؟».
من هنا، تعتبر تلك الشخصية، انّ المشكلة الحقيقية ليست مع خيارات فرنجية «بل مع شخصه الذي ترى فيه بعض الزعامات المارونية تهديداً لها ولمصالحها إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية، ربطاً بحسابات فردية وفئوية».
وتلفت الشخصية الواسعة الإطلاع في 8 آذار، إلى انّ العلاقة بين فرنجية والحزب ترتكز على الندية والثقة، «الأمر الذي يمنحه القدرة على صنع المبادرات وتحصيل التسهيلات، فيما أي اسم آخر لا يملك مثل هذه الخصوصية».
وأبعد من حدود الحسابات الداخلية، تشير الشخصية إلى انّ لبنان يشكّل مرآة للإقليم، حيث محور المقاومة مرتاح ومتمكن، «وليس هناك ما يبرّر ان يتنازل عن أحد مكتسباته في لبنان، والمتمثل في موقع رئاسة الجمهورية الذي يحقق التوازن مع رئاسة الحكومة».
وتلاحظ الشخصية، انّ اجتماع اللجنة الخماسية الاخير في نيويورك «لم يعط اي انطباع بأنّه حسم وجهة الاستحقاق الرئاسي، وفق ما يتمناه معارضو فرنجية»، مشيرة إلى انّ الحسم مؤجّل في انتظار ما سيؤول اليه التفاوض حول «الديل» الأميركي – الإيراني.
وتنتهي الشخصية إلى التأكيد انّ لدى فرنجية وحلفاءه «ما يكفي من الصبر للثبات على ترشيحه، الى حين ان يكتمل تقاطع الظروف المحلية والخارجية على اسمه».