تصدّرت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى طاولة الحوار كافة الوسائل الإعلامية بين منتقد ومحلّل وبين معارض ومدافع، ولا تزال التعليقات تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا دعوته رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بعد طول انتظار. فانتقدها البعض المعارض، فيما استعان بعض مؤيّديها بتصريحات فرنجية قبل خمس سنوات، حين قال إنّه «يضع نفسه في تصرّف عون بمجرد ان يتلقّى اتصالاً من القصر». الّا ان سيّد القصر لم يتجاوب يومها مع نداء فرنجية… وعليه، سؤالان أثارا اهتمام المتابعين: الاول، ما الذي دفع عون الى دعوة فرنجية قبل انتهاء عهده ببضعة اشهر؟ اما السؤال الثاني الأهم، والذي توجّه به البعض الى فرنجية فهو: ما هو الواقع الذي جعله يوافق على تلبية دعوة عون المتأخّرة، وهل هو موقف مبدئي مشروط، أم سبقه كما يروّج البعض، تمنٍ من «حزب الله» عليه بتلبية الدعوة الثنائية؟
بعض الذين لمّحوا الى تدخّل «الحزب» لإنجاح الدعوة الى الحوار ردّوا سببها إلى غايات محض شخصية وسياسية تعني «الحزب» .
مصادر مطلعة اعتبرت انّ الحزب استوعب أخيراً خطورة تصدّع علاقة حلفائه في ما بينهم، وتحديداً حلفائه الأقوى مسيحياً، وتوجّس من انعكاس الامر على قوته الذاتية أقلّه داخليًا، ولذلك ارتأى وجوب جمع شمل هؤلاء مجددًا وخصوصًا قبل الاستحقاقات المقبلة، في وقت يستذكر البعض عدم اهتمامه في السابق بلمّ شمل صفوف التيارين الحليفين، أي «التيار الوطني الحر» وتيار «المردة». وتردّ المصادر ذلك الى تيقن الحزب يومها من عدم تأثير تأزّم العلاقة بين التيارين على فائض قوة الحزب الداخلية التي كان يتمتع بها، ومن أبرز اسبابها حلفه مع التيار «الأقوى مسيحياً». الّا انّ وضع الحزب في المرحلة الحالية يختلف عن السابق، فهو بالإضافة الى رغبته في حجب النظر عن مسؤوليته في تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، يتخوف ايضّا من تمدّد او تصدّر الأحزاب المسيحية المعارضة له الساحة المحلية، وتحديدًا في الانتخابات المقبلة، وخصوصًا حزب «القوات اللبنانية» الذي قد يقلب المشهد النيابي لمصلحة فريق 14 آذار، في حال تمكّن من الفوز بالأكثرية النيابية المسيحية في الانتخابات المقبلة…
ولهذا، تؤكّد المصادر المطلعة على خفايا طاولة «الحوار»، انّ بصمات «حزب الله» واضحة فيها، خصوصًا لجهة ما يختص بمواقف الاطراف المدعوة اليها والتي يمون عليها، وتحديدًا رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.
فرنجية: الدعوة واجب وطني
النائب طوني سليمان فرنجية أكّد لـ«الجمهورية»، أن لا صحة للمعلومات التي تتعلق بمونة «حزب الله» على رئيس تيار «المردة». مذكّراً بمواقف والده الثابتة تجاه مقام الرئاسة، واستعداده الدائم لتلبية دعوة رئيس البلاد إن دعاه. ولفت فرنجية في المقابل، الى انّ علاقة تيار «المردة» برئيس الجمهورية منفصلة عن علاقته السياسية مع «التيار الوطني الحر».
وأوضح فرنجية، انّ رئيس تيار «المردة» عندما أُعلم بأنّ الهدف من الدعوة هو لقاء تشاوري قبل انعقاد طاولة الحوار، قبِل تلبيتها. ولفت الى انّ والده يعتبر تلبية دعوة رئيس الجمهورية هي واجب وطني. لكن هذا الامر لا يؤكّد او ينفي مشاركة فرنجية من عدمها في طاولة الحوار. وقال، انّ سليمان فرنجية «لم يرفض يوماً دعوة الى لقاء تشاوري، وهذا بالنسبة اليه موقف مبدئي»، مذكّراً في المقابل «انّ تيار «المردة» لم يشارك في السابق في طاولة الحوار، لأنّ جدول اعمالها كان قريبًا من جدول اعمال مجلس الوزراء، انما طاولة الحوار اليوم من المرجح ان تشمل قضايا معيشية وطنية وسياسية مهمة، ولذلك يريد رئيس «المردة» سليمان فرنجية معرفة جدول أعمالها لاتخاذ القرار على أساسه، وبعد الاجتماع مع الرئيس عون سيُبنى على الشيء مقتضاه».
وعمّا إذا كان هذا اللقاء سيقوّي موقع «المردة» داخلياً ام موقع الرئاسة؟ اكّد النائب فرنجية انّه «إذا لم نصل الى طاولة حوار منتجة فكل ما يحصل لن يؤدي الى اي نتيجة، بمعنى انّ طاولة الحوار لن تقوّي فريقًا كما لن تضعف آخر». محذّرًا من أنّه «اذا كان هدف طاولة الحوار تقوية فريق على حساب إضعاف آخر فلنعلن من اليوم نهاية طاولة الحوار… أما إذا كان السبب من انعقادها لقاء رجالات دولة لإيجاد حلول لقضايا كبرى أوصلت لبنان الى ما وصل اليه، فهذا شيء آخر، اما إذا كانت منعقدة لتقوية البعض لحسابات انتخابية فلننعى هذه الطاولة من اليوم».
وفي السياق نفسه، الأوساط المغرّدة المؤيّدة لفرنجية، ذكّرت بمواقفه المتقدمة والمبدئية، وتوصيفه الشهير للرئيس القوي حين قال: «انّ الرئيس القوي هو الذي يجمع كافة الاطراف حوله»، مؤكّدة انّ سليمان فرنجية ينظر الى الدعوة الحوارية «من هذا المنظار ومن منظار وطني، لأنّ الموضوع يتعلق بمصير وطن، ولا وقت للحرد السياسي في أدق مرحلة من مراحل الانهيار التي يمرّ فيها لبنان، خصوصاً حين يتعلق الامر بمصير وطن وبمقام رئاسة الجمهورية».
مصادر بعبدا
من جهة أخرى، أكّدت مصادر قصر بعبدا لـ«الجمهورية»، انّ دعوة عون الى الحوار «تنبع من حسّ المسؤولية، ومن إرادة بإشراك الجميع في البحث عن الحلول للملفات الثلاثة: التعافي المالي، اللامركزية، والاستراتيجية الدفاعية». وأشارت الى «انّ الرئيس عون وتأكيداً لحرصه على إنجاح الحوار، بدأ بمشاورات ثنائية، وانّ الوزير فرنجية لبّى الدعوة بغض النظر عن موقفه من طاولة الحوار». لافتة الى «انّ تلبية فرنجية دعوة رئيس البلاد الى مشاورات ثنائية قبل انعقاد طاولة الحوار، وبغض النظر عن موقفه منها، تؤكّد انّه مدرك لخطورة الاوضاع، وانّ فرنجية يشعر بالمسؤولية في البحث عن الحلول».
واكّدت المصادر نفسها، انّ «لقاء عون ـ فرنجية يفيد لبنان الوطن، ولا يجوز قياسه او مقاربته انتخابيًا لأنّه في اطار أوسع وله طابع إنقاذي». وقالت انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري اكّد عبر التشاور معه هاتفياً حضوره ومشاركته في مؤتمر للحوار، وكذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد كبير من القيادات. مضيفة: «وحدهما الحريري وجعجع أعلنا عدم المشاركة».
اما بالنسبة الى الملفات المطروحة، فقد كشفت مصادر قصر بعبدا نفسها «انّها تعني جميع اللبنانيين»، متسائلة: «من مِنَ الاطراف لا يريد خطة إنقاذ مالي وتعافياً اقتصادياً؟»، ومؤكّدة أنّ عون «منفتح على كل فكرة او مبادرة».