في المحطات السود من تاريخ لبنان المعاصر، التي شهدت صراعاً مسلّحاً طائفياً بين المسيحيين والمسلمين، مثل احداث العام 1958، على خلفية سعي المسلمين القاهريين، الى الدخول في وحدة مصر وسوريا، وبعدها في العام 1969، عندما حاول المسلمون تحت غطاء حركة الاحزاب والقوى الوطنية، اطلاق يد المقاومة الفلسطينية المسلحة في الشأن اللبناني، خارج سلطة الدولة وقواها الشرعية، ما أوجب قيام مقاومة لبنانية مسلحة ذات اغلبية مسيحية لوقف التمدد الفلسطيني على الارض اللبنانية، كان المرحوم الرئيس صائب سلام، اول المتنبّهين الى خطورة الاوضاع في لبنان، وقد اطلق تباعاً مع كل محطة من هذه المحطات، شعارات تنمّ عن حسّ وطني لبناني صافٍ، ومنبّهاً في الوقت ذاته من الانزلاق الى خطر انهاء لبنان العيش المشترك الواحد بين المسلمين والمسيحيين، ومن اشهر شعاراته، «التفهّم والتفاهم» وهو دعوة واضحة الى الحوار في مفاهيم اليوم، كما التشديد على ان «لا غالب ولا مغلوب» بين مكوّنات الشعب اللبناني، ويترجم اليوم، بأنه لا يمكن لأي فريق في لبنان مهما كان قوّياً ومسلّحاً ان يلغي مكوّناً من مكوّنات لبنان التاريخية، اما شعاره الثالث، فكان تحذيراً بأن لا غنى ولا حياة ولا امكان الاّ بوجود «لبنان الواحد لا لبنانان».
علاقة المسلمين السنّة بالمملكة السعودية لا تعود الى ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل الى ايام الرئيس صائب سلام رئيس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية، التي تقدّمت وتوسّعت وكبرت واصبح لها شأن في ميداني التدريس والصحة بالاعتماد على المساعدات السعودية، وكانت مؤسسات المقاصد، على ما اعرف شخصياً، مفتوحة امام جميع اللبنانيين، دون تمييز بين طائفة وطائفة ومذهب ومذهب، انطلاقاً من ايمان لا يتبدّل عند صائب سلام، بأن الانفتاح على الآخر، ضروري لبقاء لبنان قوياً، وبهذه النيّة كان سبّاقاً الى مدّ اليد للرئيس الشهيد بشير الجميّل، دون ان يتنازل عن عروبته او اسلامه، ولكن تحصيناً للدور المسيحي «البالغ الأهمية والتأثير» في العالمين العربي والغربي، وهذا الكلام سمعته منه شخصياً في احدى المناسبات.
* * * *
هذه العودة الى الماضي، ضرورية للتذكير سريعاً بمحطات مضيئة من محطات هذا الرجل الذي أجبر على العيش فترة غير قصيرة في المنفى لأنه رفض ان يكون شاهد زور في ظل حكم النظام الامني اللبناني – السوري، ومن جهة ثانية ليعرف اللبنانيون كيف تنشأ وكبر ابنه رئيس الحكومة تمام سلام، وعلى اي مبادئ وشعارات رغب ان يقوم حكمه ولكن مع الأسف كان المعطّلون اكثر من المساعدين، وشعارات والده الوطنية قهرتها المصالح الفئوية الخاصة، ولم يتحقق منها شعار واحد، ومع ذلك، وخوفاً على الأمن والاستقرار، وعلى عدم انهيار الوضعين الاقتصادي والمالي، وعلى الابقاء على شعرة معاوية بين الطوائف والمذاهب، وخصوصاً بين السنّة والشيعة، يرفض ان يستقيل من واجباته، معوّلاً على استيقاظ الضمائر المغيّبة، ومصرّاً على تجرّع المرّ، في سبيل عقد جلسات لمجلس الوزراء، لتكون سبباً في قضاء حاجات المواطنين، لا سبباً في زيادة التوتر والانقسام…
مرّة جديد، نداء الى الذين يعطّلون انتخاب رئيس للجمهورية مع معرفتهم بالنتائج الوخيمة المتأتية عن هذا التعطيل، سارعوا الى تفعيل الحكومة ومجلس النواب، علّ النتائج الطيّبة التي ستظهر حتماً، تحمل عدوى الطيبة الى ضمائرهم.