استطرد رئيس سوريا السابق بشار الأسد في محاولة «إختبار» ردود فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتيقن الميداني من مواقفه السياسية «التقاربية»، فانفجرت المحاولة بين يديه!
قَصْفُ خان شيخون بالغاز السام هو في جانب منه عمل حربي روتيني آخر عند منظومة الوحوش الأسدية، لكنّه في الجانب الأهم كان محاولة لقياس «معنى» المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي تيلرسون، والمندوبة في الأمم المتحدة هايلي والناطق الرسمي باسم البيت الأبيض سبايسر والتي تقاطعت عند الجهر بأنّ أولويّة هذه الإدارة هي محاربة الإرهاب. وإنّ مصير الأسد «يقرره الشعب السوري على المدى الطويل»… وإن وجوده في الصورة هو «واقع سياسي»، لا ينكر!
ومحقٌّ تماماً مَن وضع المجزرة في السياق الامتحاني ذاك، خصوصاً وأن الوضوح الذي أظهرته إدارة ترامب، كان كافياً لصدم اعداء الأسد فكيف الحال معه ومع منظومة وحوش وجدت نفسها فجأة في مصاف الملائكة! عند إدارة أكبر وأخطر دولة في العالم، وجزءاً (غير معلن!) من الحرب العالمية على الإرهاب!
وتلك جرعة فائضة على المعدة الأسدية. وأكبر من كل «أحلامه». وتعني إكتمال العَقْد عنده: روسيا من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر.. وحرفياً! أي إن الانكفاء الأوبامي الذي سمح لفلاديمير بوتين بالاستعراض أحادياً في النكبة السوريّة ومنع «انهيار النظام» الذي ما كان ليحتاج الى أكثر من أسبوعين لو لم توقفه «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول 2015 على حدّ القول الحرفي لوزير الخارجية سيرغي لافروف.. هذا الانكفاء انقلب باتجاه آخر سافر في وضوحه هو العودة الى التدخل المتدرج تحت ستار الحرب على الارهاب، ورسوّ الموقف عند تفضيل «بقاء الأسد» وتعويمه! وفتح خطوط التواصل معه!
وليس سهلاً إنكار هذا السياق من دون التورّط في قراءة الغيب. بل أنّ كل ما كان يحصل (في المئة يوم الأولى) سياسياً وميدانياً، أكد أنّ واشنطن – ترامب دخلت في المزايدة على أوباما من باب ترسيخ توجهاته والإضافة عليها: هو سلَّم للروس من بعيد، وهي أرادت ذلك التسليم من قريب! وراحت تترجم ذلك من خلال وقف «دعم» بعض المعارضة «المعتدلة»! ثم لجم الدور التركي! ثم تأكيد الرهان على المكوّن السياسي الكردي وصولاً الى إشهار الغزل مع الأسد!
الفارق بين ترامب وأوباما هو أنّ الأخير أراد من «سياسته السورية» استرضاء إيران وجرّها الى نبذ مشروع القنبلة الإفنائية. في حين أن الأول يريد العكس ويسعى الى نبذ النفوذ الإيراني وتمدداته لكن من خلال جذب الروس والأسد، الى صفّه وليس اتخاذ «مواقف هامشيّة تؤثر على قضيته الرئيسية»!
ومن ألطاف ربّ هذه الدنيا بعباده، أنّ الأسد ومنظومته المتوحشة سَكِرا بخمر ترامب وقدّما خدمة جليلة لمنطق العدالة مع أنهما أشرس تعبيرات الجور وظواهر الإجرام! طغت عندهما على التطبّع. ولم يجدا طريقة لإجراء «الإمتحان» مع ترامب سوى تلك الآتية من جذر غرائزي ومنحطّ في مستوى احتقاره للروح البشرية، وتدنيسه لقيم إنسانية لا تزال محترمة خارج عالمهما الموصول بممانعة إيرانية وإحيائية روسية!
أُحرِج ترامب حتى خرج عن طوره! وما عجزت عنه سنوات من الفظاعات في حق السوريين ونكبة النزوح بكل أبعادها، ومطوّلات من الوقائع والوثائق واليقينيات الموجودة في مراكز صنع القرار، ودوائر الاستخبارات والأمن، وساعات وأيام من الحوارات مع قادة أوروبيين وعرب، وغير ذلك الكثير.. أمكن تحقيقه بضربة أسدية واحدة في خان شيخون: بدأ ترامب يقتنع بأن الأسد جزء من الإرهاب وليس من نادي الحرب على الإرهاب! وإن العلاقة عضوية وسببية بين الطرفين! وإن الانتصار في هذه الحرب غير ممكن ومستحيل طالما أنّ السلطة الأسدية في مكانها! وإنّ لا فرق في واقع الحال، بين إرهابي يضع عمامة دينية فوق رأسه ويسمّي نفسه «خليفة»، وبين إرهابي يلبس ربطة عنق ويسمّي نفسه «رئيساً لسوريا»!
الضربة الصاروخية الأميركية طاولت هدفاً ميدانياً صغيراً، لكنّها عدّلت هدفاً إستراتيجياً كبيراً وأعادت «النقاش» الى المربع الأوّل: لا دور للأسد في مستقبل سوريا (غير البعيد!) ومكانه الوحيد هو كرسي المتهم في قاعة المحكمة!
علي نون