IMLebanon

«حروب لبنانية صغيرة» تحت سقف العجز والفشل!

 

لم يحل التزام الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان أحكام التعبئة العامة دون مراقبة ادق التطورات. لا بل فقد أتاح الحَجر الصحي الاطلاع على كثير من خفاياها التي حالت دون وضع الورقة الاقتصادية المنتظرة، كنتيجة حتمية لرؤى متناقضة، لمجرّد انّها بُنيت على معطيات مختلفة. وهو ما قاد الى الإعتقاد، انّ ما يجري مجرّد «حروب صغيرة» تحت سقف العجز والفشل. فما الذي قاد الى هذه النتيجة؟

إلى جانب الورش الحكومية المكثفة المخصّصة للبحث في الملفات الشائكة الآنية منها والمتوقعة في المديين القريب والمتوسط، يرصد المراقبون ورشاً أخرى ينظّمها بعض السفارات والبعثات الديبلوماسية المهتمة بالوضع في لبنان، من مختلف جوانبه الانسانية، وتلك المتصلة بالمعضلات الاقتصادية، مضافة الى ملف الكورونا وتداعياته المحلية والدولية، بغية تبادل الخبرات والقاء الضوء على نتائج المعالجات الجارية وتطور انتشار الوباء في لبنان والمنطقة والعالم.

 

فقد سمحت التجربة الطبية والوبائية اللبنانية بأن تكون نموذجاً، رغب عدد كبير من الديبلوماسيين متابعته ومراسلة بلدانهم بالنتائج التي أفضت اليها الخطط التي وضعتها الادارة اللبنانية على اكثر من مستوى، بالإضافة الى طريقة مواجهة المصاعب الإقتصادية والنقدية التي يعاني منها لبنان، الى درجة لا تشبه العديد من التجارب الدولية الأخرى.

 

في هذا الإطار، كشفت مراجع حكومية ووزارية معنية، انّ معظم السفراء الأجانب في بيروت وخصوصاً الغربيون منهم، يواظبون على متابعة التقارير اليومية التي تصدرها «غرفة العمليات الوطنية» التابعة لهيئة ادارة الكوارث المنعقدة يومياً في السراي الحكومي الكبير، كما بالنسبة الى عمل اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس «كورونا»، وتلك التي تصدر عن المراجع الصحية والاستشفائية المتخصصة، كوزارة الصحة العامة ومستشفى الحريري الحكومي. وإذا كان هذا الإهتمام قد اتخذ في الفترة الأخيرة طابع الإطلاع على حاجات لبنان وسبل مساعدته لتجاوز تداعيات الوباء وفق القدرات المتوافرة، فأنّها ادّت الى بناء شكل من اشكال العلاقة التي افادت هذه السفارات والهيئات الإقليمية والدولية، كما افادت لبنان ولو بنحو محدود.

 

والى جانب هذا الإهتمام الدولي، تضيف المراجع المعنية، انّ بعض السفارات الكبرى انشأت فرق عمل استشارية إضافية، ضمّت الى خبرائها والمسؤولين عن الأقسام الصحية والعلمية والتجارية فيها، مجموعة من النخب المالية والإقتصادية والصحية اللبنانية، من اجل التداول في كل ما هو جديد، من اجل تغذية اداراتهم المركزية بمزيد من المعلومات والتجارب التي يمكن استثمارها والبناء عليها، خصوصاُ وانّ البعض منهم لم يخف اعجابه بالتجربة اللبنانية، في مرحلة قال فيها احدهم: «انّ النجاح في المواجهة لم يعد رهناً بقوة اقتصاديات الدول وقدراتها المادية ومتانة انظمتها الصحية والإجتماعية في إدارة الكوارث البيئية بنحو استباقي». وهو ما ابلغه احد السفراء الى مسؤول لبناني كبير التقاه قبل ايام، مشيداً بجوانب من الخطط اللبنانية التي اتُخذت في التوقيت الصحيح، قياساً على حجم المفاجآت التي احدثها انتشار الفيروس في العالم.

 

وبعيداً من الخلفيات المتصلة بالتدابير المتصلة بكورونا، فإنّ الإهتمام الديبلوماسي لم يهمل الجوانب الإقتصادية والنقدية من الأزمة التي يعاني منها لبنان. فمن خلال انعكاسات ما يجري على مصالح جالياتهم والمقيمين الاجانب في لبنان، فإنّ لهم رأياً آخر وقراءة مختلفة عن تلك الخاصة بالقطاع الطبي والتي تتناقض مع الإشادة بما حققه لبنان.

 

وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيّق بين اكثر من موقع حكومي وسياسي وديبلوماسي معني، انّ هناك رزمة من الملاحظات الديبلوماسية القاسية التي تطاول الأداء السياسي والاقتصادي والحكومي. ومن ضمن هذه الملاحظات ما عبّر عنه اكثر من سفير غربي من «المجموعة الدولية من اجل لبنان». وهي تتركّز على بعض الملاحظات القاسية التي لا يجب ان تفاجئ أحداً من المسؤولين اللبنانيين. وابرزها:

– تسخيف الحديث المتمادي في بعض الأوساط عن تحريض ديبلوماسي لفئات لبنانية، من اجل تشكيل قوة لبنانية معارضة للعهد والحكومة. كما بالنسبة الى الحديث عن التدخّل في التعيينات المالية وحماية فلان او فلان من المسؤولين، في إشارة واضحة الى موقع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ولم تر حاجة الى التعليق عليها او الغوص في ما نُسج حولها من سيناريوهات وهمية لا تحتمل وجهاً من وجوه الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني وهو ما تبلّغته دوائر رسمية ديبلوماسية وحكومية لبنانية بنحو واضح وجلي.

– سبق لمجموعة الدعم الدولية ان ابلغت الى رئيسي الجمهورية والحكومة عدم القدرة على التعاطي مع لبنان من باب الدعم المالي، بمعزل عن تقصيره في البت بعدد من الإصلاحات السياسية والإدارية المطلوبة منذ سنوات.

– المطلوب بإلحاح وقف الهدر الحاصل في المال العام وتحديداً في بعض القطاعات الخدماتية كالكهرباء والنفايات والخدمات الاجتماعية، للتخفيف من حجم الدين العام وكلفته ومكافحة الفساد. كما بالنسبة الى الوعود بتوفير ما يضمن قضاءً مستقلاً خالياً من التدخّلات السياسية والحزبية.

– انّ البحث في اي مساعدات خارج ما هو مرتبط بجائحة الكورونا وعبء النزوح السوري وخدمة المجتمعات المضيفة، لا مكان له اياً كانت الظروف والدوافع. مع العلم انّ كل هذه المساعدات ستبقى من خارج الوزارات والمؤسسات الرسمية المشكوك في إدائها، قياساً على فشل تجربة الغاء المساعدات للعائلات الفقيرة وما تركه من رسائل «مخزية».

 

والى هذه الملاحظات التي لم تعد مدار نقاش في الأروقة العليمة، فإنّ الجو الديبلوماسي اوحى بما هو اقسى وأدهى، يتجنّب بعض الديبلوماسيين مقاربته بصراحة. وهو يدلّ الى وعيهم لحجم المعوقات امام اي اصلاح محتمل في لبنان، إن لم يكن مستحيلاً، طالما انّ هناك من يتقن اللعب على حدّ السكين في القضايا النقدية والمالية، من دون مراعاة ابسط حقوق الناس وامكان ضياع جنى العمر، في عملية كشفت حجم الفساد المستشري وقدرة الناهبين على نقل اموالهم الى الخارج لحمايتها مما يطاولها. وكل ذلك يجري نتيجة العجز في استعادة المال المنهوب والموهوب. ولذلك، فقد اختصر احد الديبلوماسيين امام زائر لبناني المشهد، بالحديث عن مجموعة من «الحروب الصغيرة» التي يخوضها اللبنانيون تحت سقف العجز المتمادي، في مقاربة ما هو مطلوب. كما الفشل في ردّ الخارجين على القانون، احزاباً وشخصيات، الى بيت «الطاعة الوطنية». ووقف وضع يد البعض على مؤسسات رسمية امنية وادارية، تحوّلت مقاراً حزبية وحصصاً طائفية ومذهبية، وهي من الحقائق التي لم يعد الحديث عنها سراً عليهم وعلى كثير من اللبنانيين. ولكن الى متى؟!