لا يبدو أن هناك سقفاً للابتزاز الذي يمارسه “حزب الله” ومحلقاته حيال اللبنانيين من خلال تمترسه في موقف تعطيل قيام الحكومة، ورمي عباءته لتغطية كل خطوة تصبّ في ذلك الهدف، طالما أن الحسبة الأخيرة عنده هي أن جلّ ما يجري يخدمه ويخدم حساباته الإيرانية.
يخترع المشكلة ويطلب من غيره حلّها. ويتبرّع بتقديم هدايا سياسية لكنه يرفض أن يدفع أثمانها من خزائنه. ولا يهمّه إن طافت الدنيا أزمات وتعقيدات، أو وصلت المواجع إلى ذراها، أو ترنّح لبنان على وقع أمراضه، أو عادت الأمور إلى الوراء في الإجمال والتفصيل.. أو فرّخت العقدة الهامشية تعقيدات أساسية ورئيسية، أو دخل الجميع في متاهة خطيرة حيث الدستور موضع تأويل! وحيث المناورات السياسية تصل إلى أعلى السقوف ولا تراعي شيئاً.. لا تفاهمات ولا تسويات ولا أعرافاً ولا ميثاقية ولا أوزاناً ولا “مصلحة البلد”! ولا الاستقرار المهدّد بكل أنواع التهديدات!
بل واقع الحال يدفع إلى التيقّن بأنّ المشكلة المسمّاة “توزير سنّة حزب الله” تكاد أن تصير تفصيلاً أكثر هامشية عمّا كانت عليه، مقارنة بما أفرزته وتفرزه على المستوى الوطني العام.. بل هي بدأت مثل كرة الثلج وراحت تتدحرج نزولاً حتى صارت أو تكاد جبلاً جامداً يطبق على الجميع، ويدفع بالكثير من المعنيين إلى إظهار أداء مرتبك، من علاماته المسّ بالبديهيات (الدستورية والعرفية) فيما “الموضوع” لا يستأهل كل ذلك الاستنفار! ولا يستحق كل هذا التوتر ولا الارتداد إلى الخلف كأن شيئاً لم يحصل! أو كأن الوضع العام لا يزال يحتمل المزيد من الضغط الآتي من نوازع شخصية! أو كأن اللبنانيين يملكون فائضاً من الترف يسمح لهم، أو لمن يريد منهم، بتقطيع الوقت وقتل المَلَل من خلال “التسلية” بإعادة تفسير الدستور! أو تقديم قراءات مبتورة لنصوصه التامّة! أو تأويلات مُبهمة لمواده الواضحة!
وكأنّ البعض يستهوي الغدر بحاله قبل الغدر بغيره.. وينخرط في سياقات مؤذية له بقدر إيذائها لذلك الغير! مع أنه يُفترض به أن يكون أوّل العارفين وأكثر المتيقّنين من أنّ الأضرار المفترضة من المماحكة الخطيرة الجارية، تصيبه مثلما تصيب كل المستهدفين وربما أكثر.. وأن الانصياع لأجندات مطّاطة وكيدية وشاملة تحت عناوين توزيرية صغيرة، يوصل إلى “أزمات كبرى” لا تفيد المجموع الأكبر من أهل الدولة والكيان.. بل لا تفيد في واقع الحال إلاّ مَن يتربّص شرّاً بلبنان وتركيبته السيادية والدستورية والميثاقية! أكان هذا المتربّص من بقايا السلطة الأسدية، أو من العاملين وفق أجندة النفوذ الإيرانية.
بدلاً من العمل على “تصغير” المشكلة يُصار إلى تكبيرها! وبدلاً من حصرها في زاوية ضيّقة يُصار إلى توسيع بيكارها وتعميق مساميرها! وبدلاً من مواجهة الابتزاز برفضه، وردّ البضاعة إلى مصدرها يُصار إلى مجاراة المبتز بطريقة غريبة!
هذه أزمة توزير وسلطة وليست أزمة حكم ولا نظام ولا دستور.. وأزمة اخترعها “حزب الله” لحساب إيراني أساسي وآخر أسدي فرعي وليست من اختراع ولا من عنديّات الرئيس سعد الحريري، وحلّها لا يكون على حسابه ولا على حساب المكوّن الذي يمثّله.. ولا على حساب الاستقرار الوطني العام ولا على حساب الدستور والميثاقية.. و”روح” التسوية الرئاسية!