تكاد تكون اهداف «الحروب الصغيرة» الدائرة على مستويات عدة، السيطرة على عصا «المايسترو» التي سترسم المسار السياسي للحكومة الجديدة، بخطواتها الاولى المتعثرة، مع بدء فتح ملف النازحين السوريين بزيارة الوزير المختص الى العاصمة السورية دمشق، بالتزامن مع فتح «حرب الصلاحيات» بين الرئاستين الاولى والثانية، وما تحمله من مؤشرات تؤسس لخضات واهتزازات، وصولا الى اللا استقرار الحكومي.
في الحكومة الجديدة، برأي اوساط سياسية متابعة، لا وجود لصقوراً وحمائم، الجميع بالدرجة ذاتها من الحجم والوزن، والحروب الصغيرة الدائرة تارة على خلفية صلاحيات الرئاسات، وبخاصة الاولى والثالثة، وتارة اخرى في ملفات تعتبر خلافية، كملف النازحين السوريين، وهي «حروب» تُتَرجم حقيقة التناقضات والصراعات السياسية التي دارت على خلفية احجام الحصص والاوزان الحكومية للقوى السياسية.
ليست هي المرة التي تحضر فيها حرب الصلاحيات، التي برزت منذ تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية، وبرأي الاوساط، ان ما يجري في ساحة الحكومة يتخطى بكثير السجالات والمناكفات، بل هو حلقة رئيسة مُكمِّلة لحرب الاحجام والاوزان، مع انها تجري على نار خفيفة، وبالتالي، فلا يكفي ان تنال الحكومة من اغلبية نيابية وان تتلقى جرعات دعم اقليمية او دولية، فيما الثقة مفقودة بين اطرافها، فهل ثمة من يستعجل العلاقة مع دمشق لتظهير انتصاره في سوريا في الداخل؟ فيما الاتهامات تُطلق حول سعي لفصل ملف السياسة الخارجية عن العمل الحكومي؟ و«تطويبه» الى وزير الخارجية وفريق رئيس الجمهورية، وبالتالي تولي ادارة السياسة الخارجية للبنان، سيما في الملفات التي يصعب على رئيس الحكومة القيام بأي خطوة في هذا الاتجاه، وتلفت الاوساط، الى ان الفريق الحكومي المعترض اليوم، على الاستعجال بملف عودة النازحين السوريين يكون مدخلا لاعادة العلاقات بين البلدين، وجعله اولوية للحكومة، هو الفريق نفسه الذي مرَّر بالامس، تشكيلة حكومية بدا فيها ملف النازحين «مُلزَّما»! لفريق صديق لسوريا.
وترى الاوساط، الى ان اخصام سوريا في الحكومة، وبخاصة رئيس الحكومة سعد الحريري، يُدركون ان ملف عودة النازحين السوريين هو البوابة التي ستُدخِل لبنان الى استعادة علاقاته مع سوريا، ويتحصن الفريق الحكومي المتحمس لهذه العودة، بالعلاقات الدبلوماسية التي اقيمت، على اثر الانسحاب العسكري السوري من لبنان عام 2005، وسلسلة طويلة من الاتفاقيات والمعاهدات جمعت بين البلدين، ولم يتم الغاؤها او تعديلها، وبالتالي، فان كل العناصر الاساسية لاستئناف العلاقات بين بيروت ودمشق متوفرة، ولا حاجة لاحد في مثل هذه الظروف المعقدة المكابرة والمناكفة، ما ينطبق على علاقة لبنان بأي دولة عربية، ينطبق على سوريا التي يجمعها مع لبنان ملفات لا يمكن معالجتها الا بعلاقات واضحة ومرنة تكون لمصلحة البلدين.
في المشهد الحكومي الجديد، ثمة من يرى ان «حزب الله» يشعر بالاطمئنان من الداخل اللبناني، اقله على المستوى الحكومي، سيما وانه نجح الى حد كبير في التأقلم مع تحالفين ولو انهما مع طرفين متصارعين، ثبت له بالوجه السياسي انه لا يجوز التفريط بهما، الاول مع «توأمه» الشيعي الرئيس نبيه بري وحركة «أمل»، والثاني مع «التيار الوطني الحر»، فيما اخصامه يعبرون في اوساطهم عن الواقع الحكومي المرير.. من دون الحاجة الى القول هذه المرة… «انها حكومة حزب الله».
وباستثناء الضجيج المفتعل..والخارج عن حدود اللياقة الديبلوماسية، الذي اثارته السفيرة الاميركية في لبنان، ومن على منبر السراي الحكومية، في سعي لاثارة زوبعة سياسية ضد «حزب الله» المنخرط فعليا في الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، بقيت الجبهة الداخلية بين الحزب وفريق من اخصامه تميل الى التهدئة، وهو ما تكرس اكثر مع الاعتذار النيابي الذي قُدم على لسان رئيس كتلة الحزب محمد رعد، على خلفية الحوار الساخن الذي جري بين النائبين نواف الموسوي ونديم الجميل، وهو اعتذار جاء ليُؤشر على حرص الحزب على تجاوز كل ما من شأنه ان ينشىء حروبا صغيرة في الساحة الداخلية، امام الانطلاقة الحكومية الجديدة، وانسجاما مع الحرص على لغة تخاطب لا تستفز احدا، وتُسهِم في توفير مناخ ملائم للخروج من الازمات التي يتخبط بها اللبنانيون يبدأ بمحاربة الفساد، وهي اولوية لدى الحزب، اعلنها امينه العام السيد حسن نصرالله.
والاوساط، من ان الحكومة ستكون على موعد مع ملفات خلافية كبرى، لن تعالجها الحروب الصغيرة التي تدور على شكل مناكفات، هي ملفات مرشحة لان تكون تفجيرية، وملف النازحين السوريين واحد منها والعلاقة مع سوريا واحد منها، لن توقفه تمنيات ونصائح «لما الاستعجال بعودة النازحين»، في مقابل جهات وضعت الملف في صلب اولوياتها، وهناك خطوات متقدمة اتخذت في سياق عودة النازحين وهي خطوات لن تتوقف، لما يحمل هذا الملف من تداعيات ومضامين سياسية تتحول الى رسائل، تتجاوز باهميتها الحدود اللبنانية ـ السورية.