IMLebanon

العقوبات الذكية تحلّ تدريجاً مكان الحصار الإقتصادي

تمثل العقوبات حلا وسطا في السياسة الدولية كونها أشدّ صرامة من الادانات اللفظية وأقل ضراوة من استخدام القوة. وفقًا للمادة ٤١ من ميثاق الامم المتحدة، تقع سلطة فرض العقوبات على عاتق مجلس الأمن حصراً. وقد شملت هذه العقوبات لغاية الان مجموعة واسعة من الاجراءات امتدت من الحظر الاقتصادي الى العقوبات التجارية والمالية، كذلك شملت السفر والقطاعات العسكرية والدبلوماسية والثقافية.

ينصّ القانون الدولي خصوصا قانون حقوق الانسان على ان الحق في فرض العقوبات ليس بلا حدود، ولا يجوز ان يعتبر «الحظر» موجودا لأسباب سياسية خفية بل يجب ان يكون هناك «قلق دولي» حقيقي وراء العقوبات لا اعتبارات تتصل بالسياسة الاجنبية او المحلية لدولة بمفردها او مجموعة من الدول.

كذلك وفي المنظور نفسه لا يجوز فرض العقوبات لتحقيق اي من الأهداف الاخرى ما لم يثبت بشكل موثوق وجود تهديد او خرق للسلم، وان تكون العقوبات تدابير متخذة لحفظ السلم والامن الدوليين .هذا وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي.

كذلك يجب تقييم العقوبات للتأكد من انها غير جائرة ولا تنتهك بأي شكل مبادئ القانون الدولي وألاّ تكون تتعارض مع الحقوق القانونية للدولة او تضر في حق شعب في تقرير المصير. كذلك لا يجب ان تُفرض على بلد ولا تُفرض على آخر يرتكب الأفعال نفسها غير المشروعة، اذ ان ذلك ينتهك شرط التنسيق وعدم المساواة.

وقد تكون العقوبات الاقتصادية في نوعيتها التجارية والعقوبات المالية من اهم العقوبات التي تفرض على الدول وتعرّض مصالحها وتضر باقتصاداتها لا سيما وان العقوبات تقيد واردات وصادرات البلد المستهدف وتمسّ بالقضايا النقدية من تجميد اصول الحكومات في الخارج وتقييد الوصول الى الاسواق المالية والحد من القروض والائتمانات، كذلك تقييد التحويلات الدولية وبيع الاملاك في الخارج والاتجار بها.

من الواضح ان هناك تداخلا كبيرا بين العقوبات المالية والتجارية وخاصة عندما تطبق بطريقة شاملة لأن تجميد الاصول المالية يجعل من الحكومات عاجزة عن دفع ثمن الواردات فتعاني التجارة تلقائيا جراء ذلك.

وتبقى نظرية العقوبات الاقتصادية وفعاليتها محور بحث بين الدول والحكومات سيما وان العديد منها أظهر عدم فعاليته. تستند نظرية العقوبات الاقتصادية على ان الضغط الاقتصادي على المدنيين سيتحول الى ضغط على الحكومات من اجل تغيير سياساتها من الناحيتين القانونية والعملية. وتظهر البيانات انه عندما تستهدف هذه العقوبات انظمة سلوكية فان الشعب عادة ما يتحمّل وزرها في المقام الاول وليس من يكونون في السلطة.

وعلى العكس من ذلك، من يكونون في السلطة كثيرا ما يستفيدون من هذه العقوبات نظرا لقدرتهم على التحكم في انشطة السوق السوداء والاستفادة منها. هكذا ومن المتعارف عليه ومع خبرة الدول مع هكذا اجراءات يزداد الفقراء فقرا ويزداد الاغنياء غنى في عمليات التهريب والسوق السوداء والاحتكار مما يعني تقلص حظوظ الديمقراطيات المنشودة من خلال هكذا عقوبات.

وهذا ليس نوعا من التنظير انما هذا ما اعترف به الامين العام للامم المتحدة في تقريره عن الالفية. وتؤيد البيانات هذه الحجة حول تفسير نجاحات واخفاقات نظم العقوبات سيما وان اكثر البيانات تفاؤلًا تشير الى ان معدل نجاحها ليس اكثر من ٥ بالمائة.

كذلك لوحظ ان العقوبات المالية وحدها تشكل سبيلا أنجح بين العقوبت بشكل شامل وتؤثر تأثيرا مباشرا على القادة السياسيين او المسؤولين وتدع السكان المدنيين في منأى عن عواقبها ولا تتعارض هكذا مع قانون حقوق الانسان والقانون الانساني وتزيد من فرص نجاحها.

كذلك لا بد من التذكير بأن العقوبات الاقتصادية المحددة الهدف، خاصة المالية، اصبحت محط تركيز السياسة الدولية في الآونة الاخيرة، وتعتبر حسب لغة العقوبات «العقوبات الذكية «وأدّت الى تنظيم عملية Interlaken من خلال مؤتمرين عقدا في Intertaken في سويسرا في عام ١٩٩٨ وعام ١٩٩٩ كذلك عدد من الحلقات الدراسية والمؤتمرات ومشاريع بحوث في انحاء العالم. وقد أيدها الامين العام للامم المتحدة مرارا خصوصا في تقريره عن الالفية.

السؤال المطروح : ما مدى فعالية هذه العقوبات لا سيما وان الولايات المتحدة الاميركية واوروبا والدول المتقدمة باتت في وضعية داخلية تجعله من المعيب التدخل في سياسات الدول من خلال عرض القوة العسكرية لا سيما وان هذه الطريقة اظهرت عدم فعاليتها في معظم الاحيان.

وتعتبر العقوبات الغربية الاخيرة ضد روسيا بمثابة اولى كبرى النزاعات منذ نهاية الحرب الباردة. واذا كان الهدف المعلن منها هو تغيير سياسات روسيا في اوكرانيا والعالم بشكل عام، يبقى ان موسكو مقتنعة بأن العقوبات تستهدف امورا داخلية وقد يكون تغيير النظام السياسي في روسيا من اوائلها.

يعتبر تطبيق العقوبات سلاحا ذا حدين والمثال على ذلك الشركات الأميركية التي اضطرت الى البقاء بعيدا من ايران والشركات الالمانية التي خفضت صادراتها الى روسيا والشركات الفرنسية نتيجة التجميد والألغاء المحتمل لبيع الـ Mistral الى روسيا .وكان رد روسيا واضحا ضد المصالح الغربية واتخذت تدابير حظرت فيها استيراد المنتجات الغذائية من البلدان التي انضمت الى العقوبات ضد موسكو. في النهاية، نتائج هذه الحملات الاقتصادية ليست صفراً ويمكن ان يترتب عليها ضرر كبير.

اما الرابح فتبقى الدول الاقوى اقتصاديا والخاسر ليس فقط الدول الموجهة ضدها العقوبات انما ايضا المؤسسات المتعددة الاطراف والتي ترمي الى حماية التدفق الحر للتجارة والاستثمار، مثل منظمة التجارة العالمية والتي يمكن ان تفقد مصداقيتها ومكانتها في الظهور غير قادرة على القيام بدورها.