قد يكون حان الوقت لمعالجة ذيول الأزمة بين حزب الله والقطاع المالي اللبناني، لأن مصلحة الفريقين تكمن في التلاقي في منتصف الطريق. وهذا الأمر قد تحقق على ما يبدو. لكن المشكلة تبقى في تطبيق القانون الأميركي (HIFPA)؟
قد يكون من قبيل الصدفة، وربما لا، ان اختيار بنك لبنان والمهجر لاستهدافه بمتفجرة، قيل انها رسالة الى المصرف وادارته، أصاب المصرف شبه الوحيد الذي سجلت اسهمه في البورصة اللبنانية في الاشهر الاربعة الاولى من العام 2016، ارتفاعا ملحوظا، في حين ان أسهم بقية المصارف المُدرجة في البورصة تراجعت بنسب متفاوتة في الفترة نفسها، وفي أحسن الأحوال حافظت على استقرار أسعارها.
هذا الأمر لا يؤشّر فقط الى ان متفجرة فردان أرادت هزّ المصرف الوحيد بين المصارف الكبيرة القادر على معاكسة تيار الركود العام الذي يصيب كل الاقتصاد في البلد، بل ينبغي أيضا النظر الى خطورة ان تكون كل المصارف تعاني، ولا تنجح في دفع اسعار اسهمها الى الارتفاع رغم الأرباح المقبولة المحققة سنويا.
ولعلّ الملاحظة الاساسية في قراءة الارقام التي يصدرها مصرف لبنان دورياً، تكمن في الانكماش الذي يصيب كل القطاعات، بما ينعكس حكماً على القطاع المصرفي.
ولعلّ التوصية التي أصدرتها جمعية المصارف برفع معدّل الفائدة المرجعيّة في السوق على التسليفات بالليرة اللبنانيّة بنقطة أساس واحدة إلى %8,70 إبتداءً من مطلع شهر تمّوز 2016 ، وزيادة معدّل الفائدة المرجعيّة في السوق على التسليفات بالدولار الأميركي بثلاث نقاط أساس إلى 6.34 %، تدخل في اطار الهندسات الدورية المتّبعة لتحصين نسب الأرباح، وتأخير التراجع الذي يصيب كل القطاعات.
كذلك ينبغي ان تشكل نسبة نمو الودائع مصدر قلق على المستوى العام. واذا واصلت حركة نمو الودائع الوتيرة التي بدأتها في الاشهر الثلاثة الاولى من 2016، فهذا يعني أن مسألة قدرة المصارف على الاستمرار في تمويل القطاعين العام والخاص، تصبح موضع تساؤل.
من دون الدخول في التفاصيل، تواجه بنية القروض المصرفية للقطاع الخاص مرحلة صعبة، قد تزداد دقة مع الوقت، بسبب التراجع في الاعمال بشكل عام.
وتشير الاحصاءات الى ان المصارف لم تنجح في خفض نسب القروض الاستهلاكية الى الافراد، بل ان هذه النسبة لا تزال ترتفع، بما يعني ان القطاع الخاص المنتج لم يعد قادرا على استيعاب المزيد من القروض، وان المرحلة المقبلة، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، قد تشهد ضغوطات اضافية لجهة زيادة نسب الديون المشكوك في تحصيلها من مجموع حصة القطاع الخاص في الاقتراض.
واذا كان القطاع التجاري يحتل المرتبة الاولى في نسبة الاقتراض من سلّة القروض المصرفية، فان تراجُع قيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة بنسبة 18.09 % يعطي مؤشرا واضحا عن الأزمة التي يواجهها هذا القطاع في الالتزام بواجباته حيال القروض المصرفية.
في عودة الى موضوع تطبيع العلاقات بين المصارف وحزب الله، فان النقطة الاساسية في الموضوع، ان هذه المفاوضات تمّت بتأثير من ثلاث جبهات ضاغطة:
اولا – متفجرة فردان التي تعني ان المواجهة، سواء كان حزب الله يقف وراء «الرسالة» المفخخة او أي طرف آخر، لن تكون سلمية دائما ويمكن ان تبلغ سقوفا مرتفعة.
ثانيا – الوضع المصرفي العام، المتأثر بالوضع الاقتصادي السيء للغاية، والوضع الاقليمي والخليجي المساهم في إضعاف القدرات المالية للسوق المحلي، هذه الأوضاع لا تسمح بهوامش من الاخطاء الاضافية، او اشاعة مناخات متوترة قد تؤثر سلبا على التدفقات المالية المتراجعة في الاساس.
ثالثا – ضغوطات القانون الأميركي الذي، وان جرى تطبيقه بسلاسة، فان مفهوم السلاسة لا يمكن ان يصل الى حد التساهل او الاستهتار والسماح بخرق هذا القانون من دون عقاب.
هل هناك خطر بين لائحة المخاطر الثلاثة أقل من الآخر؟
الجواب يعرفه المصرفيون قبل سواهم. كل هذه المخاطر جدية، لا حزب الله يمزح في التصدّي لمحاصرته أميركياً، ولا الوضع المالي يسمح بالتراخي أكثر، ولا امكانية إقناع الاميركيين واردة في التساهل في تطبيق قوانينهم، وإلا لما كان النائب وليد جنبلاط يواجه رفضاً في الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة، ولمّا كان الرئيس فؤاد السنيورة واجه المشكلة نفسها قبل سنوات لأنه تبرّع لجمعية المبرات الخيرية في احد الافطارات، ولمّا كان رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد شقير، انتظر لساعات طويلة في أحد المطارات الأميركية منذ سنوات، للتحقيق معه في زيارة قام بها الى ايران برفقة رئيسة حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري.
مفهوم «السلاسة» في تطبيق القانون بالنسبة الى الأميركيين، ليس مطّاطاً بالقدر الذي يظنّه حزب الله وسواه.