يجب أن يكون المرء مغفّلاً كي يقبل الذريعة التي يلجأون إليها لعدم تمكّنهم من وقف التهريب عبر الحدود البريّة، تحديداً من خلال المعابر غير الشرعية، ما يستنزف آخر مقوّمات الإقتصاد الوطني، وما يزيد من الضائقة الإقتصادية الخانقة التي أوصلت شعبنا إلى ما دون خطّ الفقر لشريحة كبيرة جداً منه.
ومن السذاجة الإدعاءات الفارغة بأنه يجب نشر عشرات آلاف العسكريين والأمنيين ورجال الشرطة على امتداد الحدود بيننا وبين سوريا. ويذهب بعضهم إلى حدّ القول بضرورة توفير نحو ثمانين ألف جندي وعنصر لهذه المهمّة. وهذا قد يكون مقبولاً أو مفهوماً على الأقلّ لو أننا في العصر الحجري. أما اليوم، فالأمر لا يحتاج إلى ذلك كلّه.
ومن دون أن ندّعي خبرة في هذا الشأن وأيضاً من دون أن نطلب ما ليس للبنان طاقة عليه في هذه الأيام من تكنولوجيا قد تكون مكلفة جداً، نسأل: لماذا لا تُسيَّر دوريات مراقبة جويّة ليلاً ونهاراً، وعلى امتداد الساعة، بالطائرات والطوافات المتوافرة لدينا، وهي مزوّدة القدرة على الرؤية في الليل فتمشّط الحدود؟… حتى إذا رُصدَت أيّ عمليّة تهريب بالشاحنات أو بالسيارات أو بواسطة البغال (كما يُقال إنّ الأمور تُجرى) عمدَت الدورية إلى مطاردة المهرّبين ومنعهم من تنفيذ عمليّاتهم الخارجة على القانون. على أن يكون القائمون بالرصد مُزوّدين الأوامر الواضحة، الصريحة، والخطيّة خصوصاً، لإستعمال القوّة وإستخدام النار عند اللزوم. فمن يجرؤ بعدها على مواصلة التهريب بعد تنفيذ مهمّة رصد أو إثنتين أو ثلاث؟ على أن يُرافق ذلك تشديد الرقابة والتفتيش على المعابر الشرعية برّاً وبحراً وجوّاً التي يتردّد أنها تُشكّلُ أيضاً مجالاً للتهريب وعلى نطاق ملحوظ.
وقد يكون من باب الإنصاف القول إنّ التهريب عبر الحدود البريّة ليس إبن اليوم ولا الأمس القريب، بل هو عمليّة مزمنة. ويحضُرني في هذا السياق أنه ذات زمنٍ من ثمانينات القرن الماضي اضطررتُ للتوجّه إلى إحدى القرى الجرديّة في عكّار ودُهشتُ لما شاهدتُه من الشاحنات الكبيرة والمتوسّطة والصغيرة و”التريلات” و”التركتورات” قد أنشأت لذاتها عشرات الطرق، غير الرسمية، عبوراً بالأراضي اللبنانية. وأشهدُ أنّ عديدها كان بالمئات وبدت مُثقلة بالحمولة ومسارُها في إتّجاه واحد: من لبنان إلى سوريا. سألتُ مرافقي لمن تعود هذه كلّها؟ فأجابني: لفلان وفلان وفلان. وأضاف: عندما تصل “الحمولة” إلى منطقة الحدود يكون بعض من ضبّاط الردع بانتظارها لتسهيل دخولها الأراضي السورية… ويتقاضى صاحب كلّ قطعة أرض يعبرها المهرّبون رسماً يومياً مقطوعاً.