يعيش اللبنانيون في وسط حالة من الضجيج والصراخ تعبيرا عن السخط والمرارة والفقر والجوع والضياع، مع الشعور بالندم العميق لسكوتهم الطويل على مكونات السلطة التي افقدت لبنان كل اسباب السيادة والهيبة والعيش بسلام، وادخلوا البلاد في حالة من التيه الوجودي وانهيار البديهيات والأولويات، وعبثوا بكل اسباب المناعة من المخاطر والتحديات وادخلونا في غيبوبة سلطوية واقتصادية واجتماعية ومالية، بحيث اصبحت تتصدر نشرات الاخبار وعناوين الصحف والمقدمات الاعلامية مقامات البكاء والنواح ومهارات السجع والزجل والترهات والهلوسات.
يشعر اللبنانيون بشيء من الندم نتيجة تورطهم عبر صمتهم الطويل في صناعة الفشل اللبناني الوجودي والسياسي والطائفي والاقتصادي والمصرفي والقطاعي والعمالي والحزبي والمناطقي، ذلك الفشل الناتج عن تمتع معظم اللبنانيين بأوهام الخصوصيات الطائفية والمذهبية والحزبية المانعة لقيام الدولة الوطنية وقواعد العمل العام والتي سلبت من اللبنانيين ابسط معاني المواطنية، تلك الخصوصيات التي لا يزال اسيادها يمانعون الانصهار في الشراكة الوطنية التي فقدت مناعتها نتيجة إصابة عموم نخبها بوباء الشطارة والادعاء والادمان على افيون عبادة السلطة والولاءات الخارجية.
يشعر اللبنانيون بالكثير من المرارة والاسى والمهانة عندما يسمعون سفراء الدول وهم يوجهون الاهانات الى رموز البلاد ويتهمونهم بالفشل والفساد ويهددونهم بالعقوبات، ويغرد بعض الدبلوماسيين على هواه ويتهمنا بالتخلف والعفن وبكل الموبقات، وتحاول بعض الدبلوماسيات التبرؤ من سياساتها الانية والارتجالية في لبنان، مما جعل اللبنانيين يشعرون في السنوات الاخيرة بانهم يعيشون في القرون الوسطى او خلال حقبة محاكم التفتيش الدينية او بعصور السلاطين الطغاة.
يعرف اللبنانيون ان ما تبقى من نخب التشاطر والتذاكي تحاول التنكر لتضحيات عموم اللبنانيين وما دفعوه من دماء وخراب ودمار واغتيالات منذ التأسيس لمجتمعات النزاع في بلاد الشام واطلاق الحروب العربية الاسرائيلية والفلسطينية الاسرائيلية والاسلامية الاسرائيلية والعربية العربية والعربية الاقليمية والنزاعات الاهلية التي انطلقت من لبنان الى معظم المجتمعات العربية، واستبيحت دماؤنا حين جعلوا من وطننا الحبيب لبنان ساحة نزاعات بديلة من حرب فلسطين وحلف بغداد والحرب الباردة واغبياء واذكياء اليمين واليسار الى تحرير فلسطين من لبنان على حساب السيادة والاستقلال الى مليشيات الطوائف والمذاهب ومجاز التهجير وخطوط التماس الى الاجتياحات والاحتلالات والمقاومات وتجديد النزاعات من لبنان وعلى لبنان واستقدام الالاف من الجنود الدوليين وعدم تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وجعلوا من وطننا منصة لتسويق الثورات الاختبارية ومختبر للمعارضات الاستعراضية واوهام الحريات الاعلامية والسياسية والديموقراطيات البدائية، وحولوا بلدنا وعنفواننا الى جوائز ترضية لوصايات الانظمة العسكرية واصبحنا حديقة خلفية لادارة الحروب العبثية مع الارهاب من افغانستان الى العراق الى مسلسل الاغتيالات وتعطيل مسار الانتظام الى داعش والغبراء، وفرضوا على اللبنانيين المنهكين تحمل كل اعباء النزوح واللجوء نتيجة استراتيجياتهم الفوضوية واوهام الربيع الأيديولوجية.
يعرف اللبنانيون ان عمليات تهريب السلع هي السبب في ازماتهم الاقتصادية والمعيشية وانقطاع الكهرباء والدواء والمواد الغذائية، والتهريب هو سبب وقوفهم لساعات امام محطات البنزين، وان تهريب المخدرات يهدد ما تبقى من علاقاتهم الاخوية، وان تهريب الاموال هو السبب بفقدان مدخراتهم المالية وانهيار عملتهم الوطنية، ويتجاهلون عمليات التهريب السياسية خلال المواسم الانتخابية وتهريب اسماء مرشحين الرئاسات والوزارات والمجالس النيابية الى الخارج حيث مراكز القرار واجهزة المخابرات من اجل اعادة تكوين سلطات الفشل والاستتباع والغباء مما يجعلنا نعتقد بان عمليات التهريب السياسي هي اصل البلاء في لبنان.