بعد الإنتهاء من تحرير جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع من الجماعات الإرهابيّة على إختلاف فصائلها، إتخذ القرار بإنهاء ملفّ الإرهابيّين والمَطلوبين الذين يتخذون من مخيم «عين الحلوة» ملجأ لهم. وقد عُقدت سلسلة من المُفاوضات مع مسؤولين سياسيّين وأمنيّين فلسطينيّين للبحث في سُبل طي هذا الملفّ الشائك الذي لا يُهدّد الإستقرار الداخلي في لبنان فحسب، إنّما أمن وإستقرار المُخيّم الفلسطيني أيضًا. وبعد تكاثر حالات «الفرار» من «عين الحلوة» طُرحت أكثر من علامة إستفهام بشأن كيفيّة حصول ذلك، خاصة بعد مُلاحظة الجميع تكثيفاً للإجراءات الأمنيّة حول المُخيّم في الأسابيع القليلة الماضية، بشكل يُصعّب عمليّات الخروج منه. فما الذي يحصل؟
مصدر أمني على إطلاع على ملفّ المطلوبين داخل «عين الحلوة» رفض الحديث عن تساهل مُتعمّد من قبل الأجهزة الأمنيّة لتسهيل فرار هؤلاء المَطلوبين، أو عن رضوخ لمطالب الإرهابيّين. وإذ أقرّ بأنّ إتفاقاً قد حصل منذ أسابيع مع القيادات الفلسطينيّة المُصنّفة مُعتدلة على إنهاء هذا الملف بأقلّ ضرر مُمكن على الفلسطينيّين واللبنانيّين على السواء، شدّد على أنّ السُلطات اللبنانيّة لم تُوافق على أيّ من الإقتراحات الرامية بخروج أيّ من المطلوبين من المخيّم من دون إخضاعه لمُحاكمة قضائيّة. لكنّ المصدر الأمني نفسه كشف أنّ بعض الجماعات الإرهابيّة في سوريا، وكلّما دخلت في مُفاوضات لإطلاق مجموعة من المُعتقلين لديها، ترفع لائحة بأسماء مُناصرين لها موجودين في مخيّم «عين الحلوة»، لتشملهم أي صفقة تبادل، ما يُضطرّ السلطات اللبنانيّة للتعامل مع كل مطلب على حدة، وعلى تقديم تنازلات في بعض الأحيان لأهداف إنسانيّة، لا أكثر ولا أقلّ!
وفي السياق عينه، وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة غير رسميّة، فإنّ السُلطة اللبنانيّة والقيادات الأمنيّة في لبنان لا يُمكنها الإقرار بحُصول أيّ إتفاق من تحت الطاولة بين الجيش والقوى الأمنيّة اللبنانيّة من جهة والقوى الفلسطينيّة المَعنيّة من جهة أخرى، لإخراج هؤلاء الإرهابيّين من المُخيّم بشكل سرّي وبدون ضجيج. وأضافت أنّ هذا النفي الرسمي لا يحجب الوقائع المُغايرة في كثير من الحالات، وآخرها مسألة هروب أو «تهريب» الإرهابي شادي المولوي ومعه مجموعة من المَطلوبين الآخرين الأسبوع الماضي، وفرار كل من الإرهابيّين نعيم النعيم وأحمد الصالح الشهر الماضي. وأوضحت الأوساط نفسها أنّ عمليّات الفرار المذكورة لم تتمّ عبر التنكّر بلباس نساء أو بارتداء حجاب، ولا عبر حلاقة اللحى وتزوير بطاقات الهويّة، كما تردّد سابقا، بل عبر «وسائل فلسطينيّة خاصة» لا تخلو من المخاطر، وبناء على إعتبارات مُرتبطة بصفقات تبادل تتمّ في سوريا، وباتصالات عابرة للحدود بين لبنان وسوريا بعيداً عن الإعلام. وقالت إنّ كل حالة فرار من المُخيّم مُختلفة عن الأخرى، حيث أنّ عمليّة خروج المولوي جاءت مُرتبطة بعمليّة إفراج عن مجموعة من السوريّين الدُروز الذين إختطفوا على طريق دمشق وإدلب، بحيث تمّ إطلاق هؤلاء المخطوفين في مُقابل إطلاق بعض المُعتقلين من الجماعات الإرهابيّة في السجون السوريّة، وبعض المُناصرين لجبهة النصرة في مخيّم «عين الحلوة» في لبنان.
وأضافت الأوساط نفسها أنّ عمليّات فرار أخرى من «عين الحلوة» لا علاقة لها بالوضع في سوريا، ولا بأي أسير في سوريا، وهي تتمّ من دون أن تُبلّغ القوى الأمنيّة اللبنانيّة بها مُسبقاً، علماً أنّ هذه القُوى سبق وأن أعلنت مُوافقتها على أن يتولّى الجانب الفلسطيني حسم ملفّ الإرهابيّين والمَطلوبين في «عين الحلوة» بالطريقة التي يراها مُناسبة، لكن بشرط عدم المُمَاطلة والتسويف بهذا الملفّ بعد اليوم. وتوقّعت هذه الأوساط أن يتمّ في الأسابيع القليلة المُقبلة الكشف عن مزيد من حالات الفرار أو «التهريب» من المُخيّم ـ إذا جاز التعبير، بعد أن توافق أكثر من طرف مَعني بهذا الملف بأنّ هذا «المَخرج»، والذي يُعتبر «أفضل الحلول السيّئة» هو الأنجح لإنهاء الوضع الشاذ في «عين الحلوة» من دون إراقة دماء، أو تعريض المدنيّين والآمنين في «المخيّم» والمحيط لأيّ خطر، لأنّ الحلول الأخرى وفي طليعتها القبض على الإرهابيّين بالقوّة ستُؤدّي إلى خسائر بشريّة ومادية كبيرة، طالما أنّ هؤلاء الإرهابيّين يرفضون تسليم أنفسهم طوعًا بحجّة عدم توفّر الظروف المُناسبة لمُحاكمتهم بشكل عادل، بحسب تبريراتهم.
وكشفت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها أنّ قيام القضاء اللبناني بإصدار قراره الإتهامي في قضيّة يعود تاريخها إلى حزيران من العام 1999، أي قضيّة إغتيال القضاة الأربعة على قوس المحكمة في صيدا، يدخل في سياق تصعيد الضُغوط المُمارسة على مُختلف القوى الفلسطينيّة المُؤثّرة في المخيّم، لعدم عرقلة مسار تسليم المَطلوبين. وأشارت الأوساط إلى أنّ القرار لن يكون له إرتدادات سلبيّة على قضيّة تسليم المطلوبين كما تردّد إعلامياً، بحجّة أنّ «عصبة الأنصار» المُتهمة في القرار كان لها الدور الإيجابي بتسليم أكثر من مطلوب وأشهرهم خالد السيّد للأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة، وإتهامها بالوقوف وراء جريمة القُضاة في صيدا قد يُعيدها إلى مُربّع التشدّد. ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ إتهام «العصبة» جاء أصلاً نتيجة مُعطيّات جديدة تكوّنت لدى القضاء اللبناني عن جريمة إغتيال القُضاة وعن المُتورّطين فيها، بفعل إعترافات مُهمّة أدلى بها الموقوف عماد ياسين، ولم يتم إرجاء الإتهام، وذلك بهدف توظيفه في الضغط على «العصبة» وعلى كل «الإسلاميّين المُتشدّدين» لعدم حماية الإرهابيّين ولعدم توفير الملجأ لهم، خاصة إذا ما أرادت «العصبة» التكفير عن سقطاتها السابقة، علمًا أنّ عددًا من المُتهمين في جريمة صيدا فارقوا الحياة.
وختمت الأوساط كلامها بالقول إنّ العمل على مُعالجة ملفّ الإرهابيّين المُختبئين سيتواصل، في ظلّ حزم لبناني واضح وتعاون فلسطيني جيّد إلى حدّ بعيد، لكنّ الوصول إلى خاتمة سعيدة لن يتم في المُستقبل القريب، بل عبر عمل دوؤب ومسيرة طويلة تتمّ خطوة خطوة.