Site icon IMLebanon

«تهريب النفايات» إلى أنغولا وقبرص التركية: نصف مليار دولار سنوياً؟

 

بعد خمسة أشهر من المماطلة الحكومية في تحمّل مسؤولية أزمة النفايات، حشر اللبنانيون في زاوية الترحيل، كحل سحري ينهي الأزمة. أما التكلفة، فبدا نقاشها علناً أقرب إلى المس بالآلهة. إذ «لا يعقل الغرق في ترف الأرقام والنفايات تملأ الشوارع».

ولأن الوضع لم يعد يحتمل، صار بالإمكان مخالفة القانون. «لا مجال لإعداد دفتر شروط ولا مجال لإجراء مناقصات لأن الحالة طارئة»، يقول الوزير أكرم شهيب لـ «السفير»، مؤكداً أن التقرير الذي قدمه إلى رئيس الحكومة يتضمن «أفضل الممكن». أما مضمون هذا التقرير، فيتركه في عهدة مجلس الوزراء، الذي يفترض أن يدعوه الرئيس تمام سلام قريباً إلى الانعقاد والبت في الملف.

وعليه، لا معلومات رسمية عن تكلفة التصدير، وإن يكتفي شهيب بالتأكيد أن الأرقام المتداولة أكبر من الواقع. ولا إعلان واضحا عن البلدان التي ستصدر إليها النفايات. ولا معلومات عن مدى مطابقة ما يجري مع القوانين الدولية والمحلية المرعية الإجراء.

وحدها عبارة «طوارئ» حلت في مقدمة أي نقاش. أما الأشهر الخمسة التي انقضت، فيبدو أنها ذهبت هباءً فيما كان يمكن أن تؤسس لوعي بيئي جماعي يحد من حجم المأساة. ففي تلك الفترة، كان يمكن إنشاء أكثر من معمل للفرز وكان يمكن إصدار «تشريعات ضرورية» لتخفيف النفايات، وإعداد برامج للفرز من المصدر… لكن كل ذلك لم يحصل، بل تراكمت النفايات في مجاري الأنهار والوديان وتحت الجسور، فيما كان بالإمكان تخفيض كمياتها إلى النصف، كما يجزم أكثر من خبير بيئي.

صار الترحيل خياراً وحيداً على اللبنانيين أن يتقبلوه، من دون تحفظ. لكن مع ذلك، تبقى الأسئلة مشروعة: من يغطي التلزيم قانونياً؟ ومن اختار الشركات؟ من سيراقب عملها، وماذا سيحصل للنفايات المكدسة في الشوارع، والتي لم يعد بالإمكان ترحيلها؟ وهل سيكون خيار الترحيل محصوراً بفترة الـ18 شهراً أم سيطول؟ وهل ثمة من يربط هذه المرحلة بفترة إنشاء المحارق، المشروع الذي يؤكد كثر أنه الغاية الأساسية من وراء الأزمة؟ وقبل هذا وذاك، لماذا ألغيت المناقصات في الأساس؟ وإذا كانت الحجة آنذاك ارتفاع الأسعار، فكيف تفسر السلطة اعتماد خيار أكثر كلفة بكثير؟ أما إذا كانت الحجة المحاصصة، فهل الترحيل بريء من المصالح السياسية؟ وكيف ستدفع تكلفة الترحيل، من أموال البلديات أم من الخزينة؟

الأسئلة قد لا تنتهي، لكن إلى حين سماع الإجابات بقرار واضح من مجلس الوزراء، فإن ما يرشح من معلومات يوضح أن تكلفة طن النفايات بين الكنس والجمع والمعالجة والترحيل ستكون الأعلى في تاريخ البلد.

يبدو حتى الآن أنه من بين الشركات التي أبدت اهتماماً بمسألة الترحيل، فإن الاختيار وقع على شركتين: الأولى بريطانية رئيسها التنفيذي يدعى رفعت الشلبي وتحظى بتزكية واضحة من النائب وليد جنبلاط، والثانية هولندية وكيلها ناصر الحكيم وتحظى بتزكية الرئيس سعد الحريري. من دون أن يعني ذلك أن «مقاول الجمهورية» جهاد العرب سيكون بعيداً عن القطاع، على ما تؤكد مصادر متابعة.

عندما أعلن مجلس الوزراء فسخ عقدي «سوكلين» المتعلقين بالطمر والمعالجة، أبقى على عقد الجمع والكنس معها. والشركة تقوم منذ ذلك التاريخ بالمهمة لقاء بدل قيمته 42 دولاراً للطن. ولأن الكنس والجمع لا يشكلان إغراءً فعلياً للشركة، بعكس الطمر والمعالجة، فإنه تردد أن «سوكلين» مستعدة للتخلي عن هذه المهمة بمجرد إيجاد شركة بديلة.

وهذا الأمر أعطى هامشاً لمن يفاوض الشركتين لتخفيض الفاتورة، أو بشكل أدق بتقسيمها، حيث يتردد أن المعالجة ستكون جزءاً من العقد الموقع مع الشركات، مع الإشارة إلى أنه لن يكون هنالك معالجة فعلية للنفايات التي ستصدر، إنما سيتم تغليفها ونقلها إلى المرفأ، فتصديرها. وبعدما كان «البازار» الأول يتحدث عن تكلفة تصل إلى 278 دولاراً للطن، انخفضت إلى 235 دولاراً، ستشمل الجمع والكنس والمعالجة والترحيل. وهو مبلغ يتخطى ما كانت تتقاضاه «سوكلين» بنحو مئة دولار، بما يعني أن كلفة النفايات ستصل إلى نحو 500 مليون دولار سنوياً، بعدما كانت نحو 300 مليون دولار!

والأدهى أن هذا «الحل» سيكون مشوباً بإشكاليات بيئية وقانونية قد تؤدي لاحقاً إلى دفع تعويضات للدول المستوردة للنفايات اللبنانية، على ما يؤكد مصدر متابع. فاتفاقية «بازل» التي وقّع عليها لبنان في العام 1994 تمنع ترحيل النفايات. وإذا كان لبنان مستعداً لمخالفة الاتفاقية، فإنه بدا صعباً إيجاد من يخالفها ويستقبل هذه النفايات رسمياً. ولذلك، لم تتمكن أي من الشركتين الحصول على ورقة رسمية من أي من الدول التي يفترض أن ترحّل النفايات إليها، ولاسيما قبرص التركية وأنغولا، فالأولى دولة لا يعترف بها لبنان كدولة مستقلة، والثانية رفضت توقيع هكذا ورقة. وهو ما يعني عملياً أن النفايات ستهرّب من لبنان إلى إحدى الدولتين، تماماً كما كانت تهرّب النفايات إلى لبنان في الحرب الأهلية.